تأليف
عباس محمود العقاد
المرأة العربية
كانت نظرة العرب إلى المرأة نظرة طبيعية مرتجلة.
ونعني بالنظرة الطبيعية المرتجلة أنها النظرة التي لا يشوبها إحساس دخيل من وهم العقائد أو حكم التشريع، ولكنها تمضي على الفطرة التي توحيها ضرورة الساعة أو ضرورة البيئة، وتختلف على حسب اختلاف هذه الضرورات.
فالعرب لم يضربوا اللعنة قط على المرأة في جاهليتهم الأولى؛ لأن اللعنة التي ضربت على المرأة في القرون الأولى وامتدت إلى القرون الوسطى، إنما جاءت من الإيمان بالخطيئة التي انحدرت بآدم وحواء من نعيم الفردوس، وأصبحت المرأة ملعونة موصومة بالنجاسة والشر عند بعض الناس؛ لأنهم ألقوا عليها تبعة الشهوات التي تثيرها فيهم، وجعلوها حبالة للشيطان مذ كانوا يحسون بغوايته الخفية كلما أحسوا بغواية الشهوة الحيوانية، ومناطها المرأة قبل غيرها من هذه الأحياء.
فالعرب لم ينظروا قط إلى المرأة هذه النظرة، ولم يحكموا عليها قط بالنجاسة والأصالة في الشر والخباثة؛ لأنهم لم يعرفوا الخطيئة بهذا المعنى في عهد الجاهلية.
كذلك لم يعرفوا التشريع الموضوع الذي يحكم عليها بالاستعباد والخطة المتفق عليها في المنزلة الاجتماعية، وإنما عرف هذا وأشباهه عند الرومان قبل الإيمان بالخطيئة، وقبل الإيمان بالدين؛ لأنهم كانوا أصحاب ملك عريض لا غنى لهم فيه عن ترتيب الحقوق والمعاملات بين أبناء المجتمع وبناته كافة، فلما رتبوا هذه الحقوق نظروا إلى المرأة في زمانهم نظرتهم إلى كل ضعيف تابع لغيره، ولم يلاحظوا في ذلك عنتا خاصا بها ولا ضغينة «جنسية» موجهة إليها دون غيرها؛ لأنهم نظروا هذه النظرة بعينها إلى أبنائهم الصغار وإلى القاصرين منهم على الإجمال، فعاملوهم معاملة الضعفاء، وأعطوهم من الحقوق ما يعطاه الضعفاء، وهم مع ذلك في عزة الأقارب والأبناء.
هذه النظرة أيضا لم يعرفها العرب في جاهليتهم الأولى ؛ لأنهم لم يضطروا إلى وضع تشريع كامل لدولة كاملة، ولكنهم تركوا أنفسهم على سجيتها كما تختلف بها عاداتها ومأثوراتها، وارتجلوا معاملة المرأة ارتجالا كما تدعوهم إلى ذلك ضرورة البيئة أو ضرورة اللمحة الحاضرة؛ فربما عاملوها معاملة الرقيق المستضعف في بعض الأحيان، وربما نسبوا إليها الأبناء دون الآباء من الرجال في أحيان أخرى.
والمرجع في كل أولئك إلى أحوال المعيشة العامة في الجزيرة العربية، وخلاصتها السريعة أنها أحوال نزاع شديد على المرعى وموارد الماء لقلة المرعى وكثرة طلاب هذا وذاك.
ناپیژندل شوی مخ