وهذا الذي حدث عند مولد إبراهيم من مارية القبطية - وهي فتية جميلة رضية - يدنيها من قلب النبي شتى المزايا، وأولاها هذه المزية التي تربى على كل مزية.
فلما رأت عائشة فرح النبي بالوليد المرموق، وأحست شغف النبي به جاهدت نفسها أن تغالب غيرتها فلم تقو على هذه المغالبة، وقال لها يوما: انظري إلى شبهه! فلم تملك لسانها أن تقول: ما أرى شيئا ... وربما أعجبه نمو الوليد ولفتها إلى بياضه ولحمه وترعرع جسمه، فيعز عليها أن تعجب مثل عجبه؛ لأنه هكذا كل طفل يشرب من اللبن ما يشرب إبراهيم!
وكان غضب النبي من غيرتها غضب تأديب وتهذيب، لا غضب سخط وتأنيب. فكان يعذرها فيما يمسه ولا يعذرها فيما ينبغي لها أن تتوخاه أو تتحراه، أو فيما يحسن بالمرأة التي أحبها هذا الحب أن تقلع عنه وتعرف موضع الملامة فيه.
فقلما لامها في شيء يمسه من غيرتها، ولكنه كان لا يسكت مرة عن مؤاخذتها على فلتات هذه الغيرة التي تمس بها أناسا آخرين، فيؤاخذ مؤاخذة المؤدب الرفيق، ولا يدع لها أن تعيد ما آخذها عليه.
عابت أمامه زوجته السيدة صفية فذكرت من عيوبها أنها قصيرة، فكره أن تمضي في حديثها، وقال: «يا عائشة! لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.»
وحكت أمامه إنسانا فلم يعجبه ما يعجب الزوج المحب من هذه الفكاهة التي تسوغ وتستملح في ذوق كثيرين، ونهاها أن تحكي الناس حكاية استهزاء. •••
ومن «الأنثويات» الخالدة في طبيعة المرأة دلالها ومغاضبتها وهي أشوق ما تكون إلى المصالحة وتقصير أمد المغاضبة.
وللسيدة عائشة نوادر شتى في هذا الدلال الذي شابهت به كرائم قومها، وزادت عليهن بما بلغته من المنزلة التي لم يبلغنها.
غضب النبي من نسائه لكثرة منازعاتهن، وإلحافهن عليه بطلب المزيد من النفقة والزينة، فأقسم ليهجرهن شهرا، وشاع بين المسلمين أنه طلقهن جميعا!
وكان لهذه الإشاعة بين المسلمين رجة أي رجة؛ لأن تطليق النبي زوجاته جميعا هو أكبر طارق يتعرض له - عليه السلام - في بيته، ويمتد أثره إلى القبائل والبيوت التي كانت تجمعه بها صلة المصاهرة. وفي وسعنا أن نتخيل تلك الرجة بين الصحابة إذا علمنا أن صاحبا لعمر بن الخطاب سمع بالنبأ ليلا فأسرع إلى بابه يدقه دقا شديدا، ويسأل عنه في فزع: أثم هو؟ فلما خرج إليه قال صاحبه: حدث أمر عظيم. قال عمر: ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلق النبي
ناپیژندل شوی مخ