يحملن آسادا عليها القاشب
9
كتائب تتبعها كتائب
وخفة خالد لنجدة عياض وهذه الشطرات من الرجز تقطع في الدلالة على ما قدمنا من أن سأمه سنة النساء وبعده عن ميادين القتال كادا يقتلانه، كما تدل على أن الأنبار وعين التمر لم تشفيا غلته، ولم تكفيا رياضة لعبقريته الجبارة.
وخلف خالد عويم بن الكاهل الأسلمي على عين التمر وخرج في جنده يسرع السير إلى دومة جهده، وكان بين دومة الجندل وعين التمر ثلاثمائة ميل قطعها خالد في أقل من عشرة أيام، اجتاز خلالها بادية الشام وصحراء النفود، منحدرا من الشمال إلى الجنوب، مستعرضا خطر الصحراء ورمالها السافية بعزم لا يعرف الخطر، فلما كان قريبا من دومة وتسامعت القبائل بمقدمه بهتت ثم اختلف زعماؤها بينهم ما يصنعون.
وكانت القبائل المعسكرة بدومة في ذلك الحين أضعاف عددها يوم جاءها عياض قبل عام، ذلك أن بني كلب وبهراء وغسان نفروا من العراق ونفر معهم غيرهم منحدرين إلى دومة يريدون أن يثأروا من عياض لهزائمهم أمام خالد، وكان مجيئهم مما زاد موقف عياض حرجا، وكان أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة هو الذي انتقض على سلطان المدينة، وهو الذي دفع أبا بكر ليبعث إليه عياضا يرده بالسيف عن انتقاضه، ولم يكن أحد من أهل هذه القبائل أعرف بخالد من أكيدر؛ فهو لم ينس عام تبوك ورجوع رسول الله منها إلى المدينة، وانقلاب خالد بن الوليد بأمر الرسول إلى دومة في خمسمائة فارس، وانقضاضه عليه وأخذه إياه أسيرا، وتهديده إياه بالقتل إن لم تفتح دومة أبوابها، وهو لم ينس كيف فتحت دومة الأبواب فداء لأميرها، وكيف ساق خالد منها ألفي بعير وثمانمائة شاه وأربعمائة وسق من بر وأربعمائة درع، ولم ينس أخذه إياه إلى المدينة حيث أسلم وحالف رسول الله، لم ينس أكيدر هذا كله، لذلك لم يلبث حين عرف مقدم صاحبه أن توجه بالقول إلى الجودي بن ربيعة أمير القبائل التي انحدرت تنصر دومة وتثأر من عياض ينصحه أن يصلح خالد، قال: «أنا أعلم الناس بخالد! لا أحد أيمن طائرا منه ولا أحد في حرب، ولا يرى وجه خالد قوم أبدا كثروا أو قلوا إلا انهزموا عنه، فأطيعوني وصالحوا القوم.»
أبت القبائل رأي أكيدر فقال لهم: «لن أمالئكم على حرب خالد، فشأنكم.» وخرج لطيته يلقاه، وتختلف الرواية فيما أصابه حين أدخل على خالد: يقول بعضهم أمر به خالد فضرب عنقه، ويقول آخرون: بل أسر وأرسل إلى المدينة ثم سرحه عمر في خلافته، فذهب إلى العراق وأقام على مقربة من عين التمر بمكان أسماه دومة.
ومضى خالد فجعل دومة بين عسكره وعسكر عياض بن غنم، وكان الجودي بن ربيعة قد بقي على أهل دومة، في حين ترأس كل قبيلة من القبائل التي أمدت دومة زعيمها، وقد ضاق حصن دومة بهذا العدد، فأقام سائر القوم حوله يحيطون به، واستفتح الفريقان القتال، فلم يلبث الجودي أمام خالد إلا قليلا ثم أخذه خالد أخذا؛ وأخذ الأقرع بن حابس زميله على أهل دومة، وهزم عياض من يليه من جند القبائل، عند ذلك أسرع القوم جميعا إلى الفرار يريدون دخول الحصن والاحتماء به، فلما امتلأ أغلق من فيه أبوابه دون أصحابهم وتركوهم عرضة للمسلمين يقتلونهم ويأسرون منهم من يشاءون.
وأقبل خالد فقتل الذين ظلوا خارج الحصن حتى سد بهم بابه، ودعا بالجودي فضرب عنقه، ودعا بالأسرى فضرب أعناقهم، إلا أسرى كلب فإنه أطلقهم على كره منه أن أجارهم الأقرع وعاصم، قال هذان لخالد: «قد أمناهم.» فأطلقهم وهو يقول: «ما لي ولكم! أتحفظون أمر الجاهلية وتضيعون أمر الإسلام!»
وطوف خالد بالحصن، حتى إذا كان عند بابه أمر به فاقتلع، واقتحم المسلمون على من فيه فقتلوا المقاتلة وسبوا النساء وباعوهن خير المشترين، واشترى خالد أجمل فتاة فيهن ابنة ربيعة وأقام معها بدومة، ورد الأقرع بن حابس إلى الأنبار.
ناپیژندل شوی مخ