شهیدان تعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
ژانرونه
فكان النضال مما لا يوصف بلسان، بل كان مذبحة أو عراك حيوانات ضارية، ولم يمض إلا وقت قصير حتى خلت الساحة من الكاثوليكيين، ولما رأى سكان المدينة أن البروتستانتيين قد انتصروا، أوصدوا أبواب بيوتهم في وجوه الكاثوليكيين، وكانوا يصرعونهم أفواجا حيث ساروا، وأدرك بلترو غايته، فوصل إلى بيت الحاكم ودخله وتبعه الجند يجتاز الغرف عنوة، وكأن البيت كان مهجورا، وكانت عبرات الحنق والكمد تسيل على وجنات بلترو؛ لأنه أشفق أن يكون جويليو قد لجأ إلى الفرار. فلما لم يجد بلترو أحدا في بيت الحاكم هم بالانصراف وهو متردد، فجاءه البروتستانتيون بخدم المنزل، وكانوا مختبئين في الطبقة السفلى من البيت، وهم يرتعدون جزعا ويسترحمون، فقال لهم بلترو: لكم الأمان جميعا إذا أخبرتموني بمقر مولاكم. فأجابه أحدهم: سمعا وطاعة، ولا أضن عليكم بالأنباء عن الحاكم؛ لأنه رجل لئيم لا يستحق الإخلاص. فقال بلترو: تكلم. قال: في جوار هذا البيت بيت لكاهن من أصدقاء الحاكم، لجأ إليه وفيه تجدونه. فقال بلترو: هل تقول حقا؟
أجاب: وأزيدك علما بأنك لا تجد الحاكم هناك وحده! فاكتفى بلترو بهذه الكلمات، وهجم على البيت المجاور فالتقى بالكاهن، فجثا أمامه وتوسل إليه أن يرحمه ولا يقتله، فقال له بلترو: بغيتنا الحاكم، فأين هو؟ أجاب القسيس: لا أدري.
قال: إنه عندك. أجاب: كلا، وإن شئت فابحث عنه، وكان بلترو مستعجلا، فصوب غدارته إلى رأس القسيس، وقال له: ارشدني إلى مخبأ صديقك، وإلا فأنت هالك!
فامتقع لون القسيس ومد يده إلى الجدار ، وقال بصوت منخفض: إنه هناك!
فتقدم بلترو إلى الجدار، وضربه بقبضة سيفه فسمع صرخة عالية وأنينا. فصاح برفاقه: علي بالفئوس والمعاول، واهدموا هذا الجدار. وبعد ساعة هدموا بعض الحجارة، فأبصروا وراء الجدار مشهدا هائلا. •••
ولقد حاول حاكم البلد حين رجوعه إلى بايو مصحوبا بمادلين أن يتخذها خليلة فلم يلق منها إلا الجفاء والسخط، وقد يئست من عودة بلترو، وظنته قد قتل في مدينة روان، غير أنها اعتصمت ببسالتها عندما اقترب إليها جويليو، فنشب بينها وبينه نضال عنيف، وكانت تصده وتهدده بقتل نفسها أمامه إذا استمر على ملاطفتها ومضايقتها. فلما تحقق هلاكه، وأن كل فرار مستحيل، غادر جنوده يدافعون عن نفوسهم، واتجه إلى منزل صديقه الكاهن، فأمر بأن تبنى له غرفة ضيقة وراء الجدار، ومدت أنابيب من رصاص لإدخال النور والهواء إليها، وحمل إليها خوانا وفراشا وكرسيين، وزادا يكفيه أسبوعين، وشرابا. ثم استحضر مادلين إلى تلك الغرفة فحملوها إليها، وهي أقرب إلى الموت منها إلى الحياة. ثم إن صديقه سد الجدار عليه وعلى مادلين،
1
وخيل لمادلين أنها في حلم هائل لا في يقظة، فكانت تحدق البصر في وجه جويليو الدميم القاسي، أما هو فكان مطمئن القلب فرحا بحيلته، مستيقنا أنه في ذلك الموضع آمن كل مخوفة وشر، فجعل يترنم بأنشودة الكاثوليكيين في ذلك العهد، ومعناها: «أن مال البروتستانتيين وأعراضهم حلال للمؤمنين الكاثوليكيين» ثم قال: مهلا أيتها الحسناء، فلا بد من أن تضحكي وتشربي معي، وقد صرت لي ملكا، ولا قدرة لك على مقاومتي.
قالت: أف لك من شقي، فإنك تخيفني بشراستك وهمجيتك.
وقد تمكنت في ساعة نضال وعراك من الحصول على خنجر كان معه، فقالت له: أقسم لك على أنني أقتل نفسي إذا اقتربت إلي. فاستضحك وعاد فجلس قرب الخوان وشرب الخمر، وهو يسمع دوي الرصاص. ثم علم أن رحى القتال دائرة في ساحة المدينة تحت البيت. فتولى مادلين القلق، وقالت: لعل المقاتلين من البروتستانت؟ وإذا بها تسمع صيحات متواليات، وحركة السلاح قرب الجدار، ثم الضربات تنهال على الجدار نفسه .
ناپیژندل شوی مخ