وتبين من (1) هذا أن الأسباب الاتفاقية تكون من حيث (2) يكون من أجل شيء إلا أنها أسباب فاعلية لها بالعرض والغايات غايات بالعرض فهى داخلة في جملة الأسباب التي بالعرض. فالاتفاق سبب من الأمور الطبيعية والإرادية بالعرض ليس دائم الإيجاب ولا أكثرى الإيجاب (3)، وهو فيما يكون من أجل شيء وليس (4) له سبب أوجبه بالذات. وقد تعرض أمور لا بقصد وليست بالاتفاق مثل تخطيط القدم على الأرض عند الخروج إلى أخذ الغريم ، فإن ذلك وإن لم يقصد فضرورى في المقصود.
لكن لقائل أن يقول : إنا ربما قلنا إن كذا كان بالاتفاق وإن كان الأمر أكثريا ، كقول القائل إن فلانا قصدته لحاجة كذ ا فاتفق أن وجدته في البيت ، ولا يمنعه (5) عن هذا القول كون زيد في أكثر الأمر في البيت.
فالجواب أن هذا القائل إنما يقول ذلك لا بحسب الأمر في نفسه ، بل بحسب اعتقاده فيه. فإنه (6) إذا كان أغلب ظنه أن زيدا ينبغى أن يكون في البيت ، فلا يقول إن (7) ذلك اتفق ، بل إن لم يجده يقول إن ذلك اتفق ، ولكن إنما يقول هذا إذا كان يتساوى عنده في ظنه وفي ذلك الوقت وفي (8) تلك الحالة أنه كائن في البيت يقول هذا إذا كان يتساوى عنده في ظنه وفي ذلك الوقت وفي تلك الحالة (9) أنه كان في البيت أو غير كائن.
فيكون ظنه في ذلك الوقت يحكم بالتساوى دون الأكثرى والواجب ، وإن كان بالقياس إلى الوقت المطلق أكثريا.
وقد ظن (10) في كثير من الأمور الطبيعية النادرة الوجود مثل الذهب الثابت على وزن من الأوزان أو الياقوتة المجاوزة للمقدار المعهود أنه موجود بالاتفاق لأنه أقلى وليس كذلك. فإن كون الشيء في الأقل إنما يدخل الشيء في الاتفاق ، لا إذا قيس إلى الوجود المطلق ، بل إذا قيس إلى السبب الفاعل (11) له ، فكان (12) وجوده عنه أقليا والسبب الفاعل (13) لهذا الذهب والياقوت إنما صدر عنه ذلك لقوته ووجدان (14) المادة الوافرة. وإذا كان كذلك فيصدر عنه (15) مثل هذا الفعل عن ذاته (16) دائما أو في الأكثر صدورا طبيعيا. ويقول إن السبب الاتفاقى قد يجوز أن يتأدى إلى غايته الذاتية ، وقد يجوز أن لا يتأدى ، مثل أن الرجل إذا خرج متوجها إلى متجره فلقى غريمه اتفاقا فربما انقطع بذلك عن غايته الذاتية ، وربما لم ينقطع ، بل توجه نحوها ووصل إليها ، والحجر الهابط إذا شج رأسا فربما (17) وقف (18) وربما هبط إلى مهبطه ، فإن وصل إلى غايته الطبيعية فيكون بالقياس إليها سببا ذاتيا وبالقياس إلى الغاية العرضية
مخ ۶۵