وهو (1) في نفس الأمر غاية يصلح أن ينصبها غاية ويرفض (2) ماسواها. أليس لو كان هذا الإنسان (3) شاعرا بمقام (4) الغريم هناك ، فخرج يرومه (5) فظفر به ، لم يقل (6) إن ذلك واقع منه بالبخت ، بل قيل لما عداه إنه بالبخت أو بالاتفاق فيرى (7) أن (8) جعله أحد الأمور التي يؤدى إليها خروجه غاية تصرف الخروج عن أن يكون في نفسه سببا لما هو سببه فكيف (9) يظن أن ذلك يتغير بجعل جاعل (10).
فهؤلاء طائفة ، وقد قام بإزائهم طائفة أخرى عظموا أمر البخت جدا وتشعبوا فرقا. فقال قائل (11) منهم : إن البخت سبب إلهى مستور يرتفع عن أن تدركه العقول ، حتى أن بعض من يرى رأى هذا القائل أحل البخت محل الشيء يتقرب إليه أو إلى الله تعالى (12) بعبادته ، وأمر فبنى له هيكل واتخذ باسمه صنم يعبد على نحو ما تعبد عليه (13) الأصنام.
وفرقة قدمت البخت من وجه على الأسباب الطبيعية ، فجعلت كون العالم بالبخت. وهذا هو ديمقراطيس وشيعته فإنهم يرون أن مبادئ الكل هى أجرام صغار لا تتجزأ لصلابتها ولعدمها الخلاء ، وأنها غير متناهية بالعدد (14) ومبثوثة في خلاء غير متناهى القدر ، وأن جوهرها في طباعه (15) متشاكل وبأشكالها مختلف ، وأنها دائمة الحركة في الخلاء فيتفق أن يتصادم منها جملة فتجتمع على هيئة فيكون منه عالم ، وأن في الوجود عوالم مثل هذا العالم غير متناهية بالعدد مترتبة في خلاء غير متناه ، ومع ذلك فيرى أن الأمور الجزئية مثل الحيوانات والنباتات (16) كافية (17) لا بحسب الاتفاق.
وفرقة أخرى لم تقدم (18) على أن تجعل العالم بكليته كائنا بالاتفاق ، ولكنها جعلت الكائنات متكونة عن المبادئ الاسطقسية بالاتفاق ، فما اتفق أن كان هيئة اجتماعه على نمط يصلح للبقاء والنسل بقى (19) ونسل ، وما اتفق أن لم يكن كذلك لم ينسل ، وأنه قد كان في ابتداء النشوء ربما تتولد حيوانات مختلطة (20) الأعضاء من أنواع مختلفة وكان يكون حينئذ (21) حيوان نصفه أيل ونصفه عنز ، وأن أعضاء الحيوان ليست هى على ما هى عليه من
مخ ۶۱