وهذه العلوم لا تشارك كلها (1) العلم الطبيعى في المسائل البتة ، وكلها ينظر في الأشياء التي لها من حيث هى ذوات كم ، ومن حيث لها عوارض الكم التي لا يوجب تصور عروضها للكم أن يجعلها (2) كما في جسم طبيعى فيه مبدأ حركة وسكون لا يحتاج إلى ذلك.
وأما علم الهيئة فموضوعه أعظم أجزاء موضوع العلم (3) الطبيعى ، ومبادئه طبيعية وهندسية. أما الطبيعية فمثل أن حركة الأجرام السماوية يجب أن تكون محفوظة على نظام واحد وما أشبه ذلك مما استعمل كثير منه فى أول المجسطى. وأما الهندسية فما (4) لا يخفى ويخالف سائر تلك العلوم في أنه يشارك الطبيعى في المسائل أيضا ، فيكون موضوع مسائله شيئا من موضوعات مسائل العلم الطبيعى ، والمحمول فيه أيضا عارض من عوارض الجسم الطبيعى ومحمول في مسائل العلم الطبيعى ، مثل أن الأرض كرية والسماء كرية وما أشبه ذلك. فهذا العلم كأنه ممتزج من طبيعى ومن تعليمى ، فإن (5) التعليمى المحض مجرد لا في مادة البتة ، وكان هذا موقع لذلك المجرد في مادة معينة. لكن المقدمات المبرهن بها على المسائل المشتركة لصاحب الهيئة والطبيعى مختلفة. أما مقدمات (6) التعليمى فرصدية مناظرية أو هندسية ، وأما مقدمات الطبيعى فمأخوذة مما توجه طبيعة (7) الجسم الطبيعى وربما خلط الطبيعى فأدخل (8) المقدمات التعليمية (9) في براهينه ، وخلط التعليمى فأدخل المقدمات الطبيعية في براهينه. وإذا (10) سمعت الطبيعى يقول : لو لم تكن الأرض كرية لم يكن فصل الكسوف القمرى هلاليا ، فاعلم أنه قد خلط (11). وإذا سمعت التعليمى (12) يقول : وأشرف الأجرام له أشرف الأشكال وهو المستدير وأن أجزاء الأرض يتحرك إليها (13) على الاستقامة وما أشبه ذلك ، فاعلم أنه قد (14) خلط.
وانظر كيف يختلط الطبيعى والتعليمى في البرهان على أن جرما مما (15) من البسائط كرى. أما التعليمى فيستعمل فى بيان ذلك ما يجد عليه حال الكواكب (16) في شروقها وغروبها وارتفاعها عن الأفق وانخفاضها ، وان ذلك
مخ ۴۲