وأيضا فإنه ليس يمكننا أن نتخيل السواد والبياض فى شبح خيالى واحد ساريين فيه معا، ويمكننا ذلك فى جزئين منه يلحظهما الخيال مفترقين، ولو كان الجزآن لا يتميزان فى الوضع بل كان كلا الخيالين يرتسمان فى شىء غير منقسم لكان لا يفترق الأمر بين المتعذر منهما والممكن، فإذن الجزآن متميزان فى الوضع، والخيال يتخيلهما متميزين فى جزئين، فإن قال قائل وكذلك العقل فنجيبه ونقول إن العقل يعقل السواد والبياض معا فى زمان واحد من حيث التصور، وأما من حيث التصديق فيمتنع أن يكون موضوعهما واحدا، وأما الخيال فلا يتخيلهما معا لا على قياس التصورولا على قياس التصديق، على أن فعل الخيال إنما هو على قياس التصور لا غير ولا فعل له فى غيره، ولما علمت هذا فى الخيال فقد علمت فى الوهم الذى ما يدركه إنما يدركه متعلقا بصورة جزئية خيالية على ما أوضحنا،
فصل 4 (فى أحوال القوى المحركة وضرب من النبوة المتعلقة بها)
وإذ قلنا فى القوى المدركة من قوى النفس الحيوانية فخليق بنا أن نتكلم فى القوى المحركة منها، فنقول إن الحيوان ما لم يشتق اشتياقا إلى شىء شعر باشتياقه أو تخيله أو لم يشعر به لم ينبعث إلى طلبه بالحركة، وليس ذلك الشوق هو لشىء من القوى المدركة، فليس لتلك القوى إلا الحكم والإدراك، وليس يجب إذا حكم أو أدرك بحس أو وهم أن يشتاق ذلك الشىء، فإن الناس يتفقون فى إدراك ما يحسون ويتخيلون من حيث يحسون ويتخيلون لكن يختلفون فيما يشتاقون إليه مما يحسون ويتخيلون، والإنسان الواحد قد يختلف فى ذلك حاله، فإنه يتخيل الطعام فيشتاقه فى وقت الجوع ولا يشتاقه فى وقت الشبع، وأيضا فإن الحسن الأخلاق إذا تخيل اللذات المستكرهة لم يشتقها والآخر يشتاقها، وليس هذان الحالان للإنسان وحده بل وللحيوانات كلها،
مخ ۱۹۴