91

فهذه وأما لها يقال لها كميات وليست بكميات؛ بل هى أحوال تعرض للكم بمقايسة بعضها إلى بعض كما سنوضح. واعلم أن الطول يقال بالاشتراك فى الاسم على معان؛ فيقال طول لكل امتداد واحد، كيف كان؛ ويقال للامتداد الواحد الذى يفرض أولا طول؛ ويقال طول لأطول امتدادين يحيطان بسطح من غير أن يعتبر تقدم وتأخر؛ ويقال طول للامتداد الواحد، من حيث يأخذ مركز العالم إلى محيطه؛ كطول الإنسان، وهو البعد الذى فيه أول حركة النشء.

وكذلك العرض يقال للكم الذى فيه بعدان؛ ويقال للبعد الواحد الذى يفرض مقاطعا لبعد فرض أولا على أنه طول؛ ويقال عرض لأقصر بعدين متقاطعين؛ ويقال عرض للبعد الآخذ من يمين الحيوان إلى شماله.

ويقال عمق للثخن الذى تحصره السطوح؛ وقد يقال عمق لذلك بشرط الأخذ من فوق إلى أسفل؛ ويقال عمق للبعد الذى يقاطع بعدين مفروضين أولا طولا وعرضا المقاطعة المعلومة؛ فإن الخطين إذا فرضا أولا، ثم جاء ثالث ذلك المجىء، قيل إنه عمق، ولو ابتدىء به أولا؛ ويقال عمق لما يحويه قدام الإنسان وخلفه، ومن ذوات الأربع فوقها وأسفلها.

ونقول: إنه لو توهمت نقطة تتحرك أو يتحرك جسم فيه نقطة فيلاقى بسيطا بالنقطة، رسم ذلك طولا وخطا فيما يمسحه. فإن تحرك هذا الخط لا فى جهة حركة النقطة، بل فى جهة مقاطعة لها، ارتسم سطح وعرض.فإن ارتفع السطح أو انخفض حتى تكون حركته على بعد مقاطع للبعدين على قوائم، ارتسم جسم. وأيضا فإن ظاهر الجسم،من حيث هو ظاهره ومن حيث لا يوجد معه شىء مما وراء الظاهر، فهو بسيط وسطح.فإن قطع هذا الذى هو السطح فالتفت إلى القطع الذى يناله فقط، ولم تلتفت إلى مشاركة الجسم أو السطح له فيه، فإن طرفه الحاصل بالقطع هو الخط. فإن قطع الخط، فإن طرفه على ذلك الاعتبار هو النقطة.

فالخط المحدود هو البعد الذى يفترض بين نقطتين؛ والسطح المحدود هو البعد الذى يفترض بين الخطين؛ والعمق المحدود هو البعد الذى يفترض بين سطحين.

واعلم أن الطول والعرض والعمق، من حيث لا إضافة فيها، هى من الكمية؛ والمضافات أعراض فى الكمية. واعلم أن الكثير بلا إضافة هو العدد، والكثير بالإضافة عرض فى العدد؛ وكذلك القول فى سائر ما يشابه ذلك. واعلم أن الطويل والعريض والعميق والكثير المتضايفات قد تتضايف على الإطلاق؛ فلا يكون من شرط ما يضاف إليه طرف منها أن يتضمن إضافة إلى ثالث منها، كما تقول: الكثير أو الكبير أو غير ذلك؛ وقد تضاف إضافة تتضمن ذلك، فيقال أطول وأكثر وأعمق؛ فإن لكل واحد منها إضافة إلى شىء له إضافة إلى ثالث، فإن الأطول أطول بالقياس إلى شىء هو عند شىء ما طويل، إلا أن هذا الشىء أطول.

ونقول: إن المساحة تقدير المتصل، والعد تقدير المنفصل، والعد والمساحة منهما ما فى النفس، هو العاد والماسح، ومنهما ما فى الشىء، وهو المعدود والمسوح. وإذا صار المسوح معدودا فإن العد عارض له، ولا يوجب ذلك أن يصير المنفصل جنسا له.

مخ ۹۵