لكن لقائل أن يقول: إن العشرة أيضا إنما تحصل عشرة بانضياف خمسة إلى خمسة، وليس ذلك اتحادا حقيقيا؛ ومع ذلك تجعله نوعا، وتكون الخمسة قد تقوم العشرية، فنقول: إن كلامنا فى اجتماع ما يجرى مجرى الجنس إلى ما يجرى مجرى الفصل؛ وبالجملة فى جميع المحمولات، حتى يتحد طبيعة؛ وليست الخمسة بجنس للعشرة، ولا الأخرى بفصل لها، ولا حصول العشرة هو بأن تجمع هذا الجمع، وإن كان يلزمه هذا الجمع، ولا العشرة خمستان، بل العشرة عشرة واحدة. وإنما العشرة عشرة واحدة، لا بالالتفات إلى هذه التفاريق، بل من جهة أخرى. وستعلم هذا بالحقيقة فى صناعة أخرى؛ وإنما كلامنا فى النحو من الجمع الذى بين الشىء وبين ذى البياض، وحكمنا أنه لا يوجب الوحدة الحقيقية فيه. ولذلك نقول: إن الخمسو والخمسة لا توجبان الوحدة؛ بل هناك اعتبار آخر؛ يعرفه أرباب صناعة أشرف من هذه الصناعة هو الموجب للوحدة؛ بل نقول إن الحيوان والناطق، من حيث هذا عام وذلك مميز، فليس يوجب اجتماعهما اتحادا، بل إنما يوجب شرط زائد على ذلك الاجتماع.
ومما يجب أن يقال فى هذا الموضع: إن كل واحد من مقولات الأعراض قد يقال مفردا كالكمية؛ ويقال مؤلفا، وتأليفه على وجهين: أحدهما مع الجوهر؛ كتأليف جوهر ولون، أو جوهر ومقدار؛ والآخر مطلقا غير معين الموضوع؛ وهو المفهوم من الأسماء المشتقة، كقولنا أبيض؛ فإن المفهوم منه شىء ذو بياض؛ لا ندرى أهو جوهر أم عرض، أى من اللفظ، بل يلزم ذلك من 0المعنى 0لزوما؛ وكذلك ذو دراعين. والجنس بالحقيقة هو الأول؛ وسيقال فى هذا زيادة قول من بعد.
الفصل الخامس فصل (ه) في تعريف حال عدد المقولات
قد بقى مما يتصل بالبحث الذى نحن فيه النظر فى تصحيح العدد الذى لهذه المقولات وأنه إن لم يمكن حصرها فى عدد أقل، فليس يمكن بسطها إلى عدد أكثر. وهذا شىء يحاوله جمهور المنطقيين؛ وما أرانى أفى به حق الوفاء؛ فإن السبيل فى تصحيح ذلك يخرج إلى أنحاء ثلاثة من النظر: أحدهما أن يبين أنه ولا واحد من هذه المقولات إلا ويقال على ما تحت قول الجنس؛ وهذا يحوج إلى أن يبين أن حملها على ما تحتها ليس على سبيل الاتفاق فى الاسم؛ وليس على سبيل حمل معنى واحد مختلف بالتقدم والتأخر؛ فيكون على سبيل التشكيك؛ ولا أيضا على سبيل قول اللوازم التى تقال على ما تحتها بالسوية، من غير اختلاف، ولكن لا يكون من المقومات؛ بل يكون من اللوازم أو الأمور الإضافية التى لا تتقوم بها ماهية شىء. فإذا بينوا أن حمل المقولة على ما جعلوه أنواعا لها حمل بمعنى واحد مقوم لما هية تلك الأنواع، وليس على سبيل أحد الوجوه المستثناة، كان كل واحد منها جنسا بالحقيقة لما جعل نوعا له، ولم تكن نسبة واحد منها إلى ماجعل نوعا له نسبة العرض إلى التسعة؛ أو نسبة الموجود إلى العشرة، أو نسبة النسبة إلى عدة منها؛ كالأين ومتى والجدة والفعل والانفعال. فإنه إن كانت الكيفية مثلا ليست تقع على الأشياء المجعولة أنواعا لها على شرائط وقوع الجنس، ولكنها كانت تقع عليها على سبيل اللوازم، وإن كانت بمعنى واحد، لم تكن جنسا لما تحتها؛ بل إن كان حمل ما تحتها على ماهو أخص مما تحتها حمل مقوم ؛ صار كل واحد مما تحتها بالحقيقة هو الجنس الأعلى؛ وكان مثلا الجنس الواحد منها هو الذى يسمى كيفية انفعالية وانفعالات؛ والجنس الآخر مثلا الملكات والحالات فكانت الكيفية مقولة على هذه، لا على سبيل قول الجنس، بل على سبيل اللوازم، كان عدد الأجناس، التى هى بالحقيقة أجناس عالية، فوق العدد المذكور. وهذا الوجه من تدقيق النظر هو شىء لم يشتغل به أحد ممن سلف.
والوجه الثانى أن يبين ألاجنس خارجا من هذه المذكورة بقسمة الموجود إلى أن تنتهى القسمة المحصلة إلى هذه؛ وإن سومح فى أمر التقويم للذات، وهو أيضا مالم يبلغنا عنهم فيه شىء حقيقى؛ وسنورد ما قالوا من بعد. وإما أن يبينوا بوجه آخر غير القسمة بيانا أنه يستحيل أن يكون جنس غير هذه الأجناس، إن كان إلى مثل ذلك سبيل. وما عندى أنهم عملوا شيئا يعتد به فى ذلك.
مخ ۷۶