فبين أنه إذا لم يكن الشىء فى كذا كائنا فى موضوع، كان من الواجب أن ينظر بعد ذلك: فإن كان ليس فى شىء من الأشياء غيره كائنا فى موضوع، فهو جوهر؛ وإن كان هناك شىء آخر هو فيه كالشىء فى موضوع، ثم لم يكن فى هذا الشىء، ولا فى ألف شىء آخر على أنه فى موضوع، بل على أنه فى المركب أو فى الجنس أو غير ذلك، فالشىء عرض. وكما أن الجوهرية لم تكن لأجل أن الشىء بالقياس إلى شىء ما هو لا فى موضوع، بل لأنه فى نفسه كذلك، فكذلك العرضية ليست لأن الشىء بالقياس إلى شىء بعينه هو فى موضوع أو ليس فى موضوع، بل لأنه فى نفسه يحتاج إلى موضوع ما كيف كان وأى شىء كان؛ فإذا كان له ذلك فهو عرض، وإن لم يكن ذلك الشىء هو هذا الشىء وكان هو فى هذا الشىء، لا على أنه فى موضوع، فليس يمنع ذلك أنه فى نفسه فى موضوع. وإنما هو عرض لأنه فى نفسه فى موضوع يعم العرضية والجوهرية، أعنى كون الشىء عرضيا للشىء أو جوهريا له، فذلك مما يكون على هذا الاعتبار؛ فإنه إذا أضيف إلى شىء فكان فيه، وكان كالشىء فى الموضوع فهو عرض وعرضى. أما عرض فلان ذاته قد حصل موجودا فى موضوع، لأنه موجود فى هذا الموضوع؛ فدل ذلك على أنه محتاج فى نفسه إلى موضوع ما، إذا احتاج إلى هذا الموضوع. وأما عرضى فهو أمر له بالقياس إلى هذا الموضوع؛ فإنه بالقياس إلى هذا الموضوع غير مقوم له ولا جزء من وجوده فهو عرضى.
فالشىء عرض لأنه فى نفسه مفتقر إلى موضوع؛ وعرضى لأنه لغيره بحال كذا. ولما اتفق أن كان الموضوع هذا وليس مقوما له فهو عرض فيه. وهذان المعنيان، وإن تلازما فى هذا الموضع، فاعتبارهما مختلف، ولكل واحد منهما مقابل آخر بوجه من وجوه المقابلة. أما للعرض فالجوهر؛ وأما للعرضى فالجوهرى؛ أى الذاتى سواء كان جوهرا كالحيوان للأنسان أو عرضا كاللون للسواد. بعد أن يكون مقوما لما هو فيه. فإذا كان العرض فى شىء لا لا كجزء بل كجزء، وهو مقوم له، فهو جوهرى فيه وليس جوهرا.
ومعنى الجوهرى الذاتى؛ فإن ذات كل شىء، كان عرضا أو جوهرا، فقد يسمى جوهرا؛ فيكون لفظ الجوهر الذى نسب إليه الجوهرى ليس يدل على المعنى الذى وضعناه مقابل العرض حتى يكون الجوهرى منسوبا إلى ذلك الجوهر؛ بل يدل على الذات فيكون الجوهرى مكان الذاتى. فهؤلاء كأنهم أخذوا الجوهر والجوهرى واحدا، فقالوا كذا جوهر فى كذا، والشىء ليس جوهرا بالقياس إلى شىء، وإن كان جوهريا بالقياس إلى الشىء الذى هو فيه.
ونقول من رأس أيضا: إنه لو كنا قلنا إن الشىء إذا قيس إلى شىء هو فيه لم يخل إما أن يكون فيه على أنه فى موضوع، أى على أنه موضوعه، أو لا يكون؛ فإن كان فهو عرض، وإن لم يكن كذلك، وهو فيه، فهو جوهر فيه، لكان هذا المذهب صحيحا؛ لكنا لسنا نقول هكذا، بل نقول: إن الشىء إذا كان فى نفسه غير مفتقر إلى موضوع البتة، هذا الذى هو فيه، إن كان فى شىء أو غيره فهو جوهر، وإن كان فى نفسه محتاجا إلى موضوع يكون فيه، أى شىء كان هذا الموضوع، كان هذا أو آخر غير هذا فهو عرض. وأظن أن من سمع هذا ثم ثبت على أن شيئا واحدا يكون جوهرا وعرضا فقد خلع الإنصاف.
تمت المقالة الأولى
المقالة الثانية من الفن الثانى من الجملة الأولى
الجنس حدا نبهت فى آخره وبالقوة معه على تحديد النوع الذى يضافيه، من غير أن جعلته بالفعل - من حيث هو مضاف - جزء حده. وأما شرح هذا التدبير فى الحدود التى للمتضايفات، وأنه لم ينبغى أن يكون هكذا، وكيف يحصل معه مراعاة ما لكل واحد من المتضايفين من خاصية القول بالقياس إلى الآخر، فسترى ذلك فى مكان آخر.
الفصل العاشر (ى) فصل في النوع ووجه انقسام الكلي إليه
مخ ۶۳