فالقسم الأول من العلوم هو العلم الطبيعى.والقسم الثاني هو العلم الرياضى المحض، وعلم العدد المشهور منه، وأما معرفة طبيعة العدد، من حيث هو عدد، فليس لذلك العلم. والقسم الثالث هو العلم الإلهى. وإذ الموجودات في الطبع على هذه الأقسام الثلاثة، فالعلوم الفلسفية النظرية هى هذه. وأما الفلسفة العملية: فإما أن تتعلق بتعليم الآراء التي تنتظم باستعمالها المشاركة الإنسانية العامية، وتعرف بتدبير المدينة، وتسمى علم السياسة، وإما أن يكون ذلك التعلق بما تنتظم به المشاركة الإنسانية الخاصية، وتعرف بتدبير المنزل؛ وإما أن يكون ذلك التعلق بما تنتظم به حال الشخص الواحد في زكاء نفسه، ويسمى علم الأخلاق. وجميع ذلك إنما تحقق صحة جملته بالبرهان النظرى، وبالشهادة الشرعية، ويحقق تفصيله وتقديره بالشريعة الإلهية.
والغاية في الفلسفة النظرية معرفة الحق، والغاية في الفلسفة العلمية معرفة الخير .
وماهيات الأشياء قد تكون في أعيان الأشياء، وقد تكون في التصور، فيكون لها اعتبارات ثلاثة: اعتبار الماهية بما هى تلك الماهية غير مضافة إلى أحد الوجودين وما يلحقها، من حيث هى كذلك؛ واعتبار لها، من حيث هى في الأعيان، فيلحقها حينئذ أعراض تخص وجودها ذلك؛ واعتبار لها، من حيث هى في التصور، فيلحقها حينئذ أعراض تخص وجودها ذلك، مثل الوضع والحمل، ومثل الكلية والجزئية في الحمل، والذاتية والعرضية في الحمل، وغير ذلك مما ستعلمه؛ فإنه ليس في الموجودات الخارجية ذاتية ولا عرضية حملا، ولا كون الشئ مبتدأ ولا كونه خبرا، ولا مقدمة ولا قياسا، ولا غير ذلك. وإذا أردنا أن نتفكر في الاشياء ونعلمها، فنحتاج ضرورة إلى أن ندخلها في التصور، فتعرض لها ضرورة الأحوال التي تكون في التصور فنحتاج ضرورة إلى أن نعتبر الأحوال التي لها في التصور، وخصوصا ونحن نروم بالفكرة أن نستدرك المجهولات، وأن يكون ذلك من المعلومات. والأمور إنما تكون مجهولة بالقياس إلى الذهن لامحالة، وكذلك إنما تكون معلومة بالقياس إليه.والحال والعارض الذي يعرض لها حتى ننتقل من معلومها إلى مجهولها، هو حال وعارض يعرض لها في التصور، وإن كان مالها في ذاتها أيضا موجودا مع ذلك، فمن الضرورة أن يكون لنا علم بهذه الأحوال، وأنها كم هى، وكيف هى، وكيف تعتبر في هذا العارض. ولأن هذا النظر ليس نظرا في الأمور، من حيث هى موجودة أحد نحوى الوجودين المذكورين، بل من حيث ينفع في إدراك أحوال ذينك الوجودين، فمن تكون الفلسفة عنده متناولة للبحث عن الأشياء، من حيث هى موجودة، ومنقسمة إلى الوجودين المذكورين، فلا يكون هذا العلم عنده جزأ من الفلسفة؛ ومن حيث هو نافع في ذلك، فيكون عنده آلة في الفلسفة؛ ومن تكون الفلسفة عنده متناولة لكل بحث نظري، ومن كل وجه، يكون أيضا هذا عنده جزأ من الفلسفة، وآلة لسائر أجزاء الفلسفة. وسنزيد هذا شرحا فيما بعد.
والمشاجرات التي تجري في مثل هذه المسألة فهى من الباطل ومن الفضول: أما من الباطل، فلأنه لاتناقض بين القولين، فإن كل واحد منهما يعنى بالفلسفة معنى آخر؛ وأما من الفضول، فإن الشغل بأمثال هذه الأشياء ليس مما يجدى نفعا.
وهذا النوع من النظر هو المسمى علم المنطق، وهو النظر في هذه الأمور المذكورة، من حيث يتأدى منها إلى أعلام المجهول، وما يعرض لها من حيث كذلك لاغير.
الفصل الثالث فصل في منفعة المنطق
مخ ۳