ومقصودنا في هذا الموضع مقصور على هذا الفصل، وهو الذي هو أحد الخمسة دون ذينك الآخرين؛ ورسمه الحقيقي هو أنه الكلى المفرد المقول على النوع في جواب أى شئ هو في ذاته من جنسه، وهو الذي اصطلح على أن قيل له: إنه المقول على النوع في جواب أيما هو؛ ثم له رسوم مشهورة مثل قولهم: إن الفصل هو الذي يفصل بين النوع والجنس؛ وأيضا: إنه الذي يفضل به النوع على الجنس؛ وأيضا: إنه الذي به تختلف أشياء لاتختلف في الجنس؛ وأيضا: إنه المقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب أى شئ هو. فلنتأمل هذه الرسوم، ولنتحققها، ولنقض فيها بما عندنا من أمرها فنقول: إنه إذا ألحق لكل واحد واحد من هذه الرسوم زيادة تساوي الفصل، وتلك الزيادة أن يقال في ذاته أو لذاته أو ذاتى أو الذاتى، فيكون الشئ الذاتى الذي يفصل لذاته بين ذات النوع والجنس هو الفصل، فإن الخاصة - وإن فصلت - فليست ذاتية، وليس فصلها ذاتيا. وكذلك يجب أن يقال: إنه الذي يفضل به النوع على الجنس في ذاته. وكذلك: إنه الذي به تختلف أشياء لاتختلف في الجنس بذاتها. وكذلك: إنه المقول على كثيرين كذا في جواب أى شئ هو في ذاته. لكن الرسوم الثلاثة المتقدمة - وإن ساوت الفصل - فليست تتضمن الشئ الذى يحل من الفصل محل الجنس، وبذلك الشىء يتنم التحديد، وإن كان قد يكون بإسقاطه دلالة ذاتية مساوية، كما لو قال قائل: إن الإنسان ناطق مائت، دل على طبيعة الإنسانية وساواها؛ ولكن إنما يتم بأن يذكر الشىء الذى هو الجنس، وهو الحيوان؛ فأما لم هذا، وكيف هذا، فسيأتيك فى موضعه. وهذا الشىء الذى هو كالجنس للفصل هو الكلى، فيجب أن يلحق هذا به.
وأما الرسم الآخر فقد ذكر فيه الكلى، إذ قيل: " مقول على كثيرين " والمقول على كثيرين هو رسم الكلى؛ فقد أتى فيه برسم ما هو كالجنس، وإن لم يؤت فيه باسمه، لكن لقوله على كثيرين مختلفين بالنوع ثلاثة مفهومات: أحدها مما لا يفطن له من قصد تقديم هذا الكتاب؛ وسنوضحه فى موضعه، ومفهومان أقرب من الظاهر، أحدهما أن طبيعة الفصل تكون متناولة بالحمل أنواعا كثيرة لا محالة غير النوع الواحد المفصول، والآخر أن طبيعة الفصل هى التى توجب إنية الأشياء الكثيرة المختلفة بالنوع بعضها عند بعض، كأنه قال: إنه المقول على الأنواع فى جواب أى شىء هو، لا جملتها، بل واحد واحد منها، كقول القائل: إن السيف هو الذى يضرب به الناس ، ليس أنه يضرب به الناس معا، بل واحد واحد من الناس؛ وهذا التأويل بعيد غير مستقيم. فإن أمكن أن يفهم هذا من هذا اللفظ كان رسما مطابقا للفصل، وإن تعذر تفهم هذا من هذا اللفظ، وإنما يفهم منه الوجه الأول؛ فهذا الحد على الوجه الذى يفهمونه منه مختل؛ وذلك لأن طبيعة الفصل - بما هو فصل - ليس يلزمها كما علمت أن لا تختص بالنوع الواحد، بل هذا عارض ربما عرض لبعض الفصول، فيكون هذا عارضا لطبيعة الفصل، لا فصلا للفصل؛ ومع ذلك فليس بعارض يعم جميع الفصول حتى يقوم فى الرسوم مقام الفصل فى الحدود، فهذا مختل.
مخ ۲۹