وهذا الفعل فعل الوجود في الأعيان فقط، فربما لم يكن الموضوع ملتفتا إليه من حيث هو موجود في الأعيان كقولك كل كرة تحيط بذي عشرين قاعدة مثلثة، ولا الصفة هي أن يكون للشيء وهو موجود، بل من حيث هو معقول بالفعل موصوف بالصفة على أن العقل يصفه بأن وجوده بالفعل يكون كذا، سواء وجد أم لم يوجد. فيكون قولك: كل أبيض، معناه كل واحد، مما يوصف عند العقل بأن يجعل وجوده بالفعل أنه أبيض دائما، أو في وقت أي وقت كان. فهذا جانب الموضوع . وأما جانب المحمول فيقول: إن ههنا موجبات مطلقة، وضرورية، وممكنة. أما الموجبة الكلية المطلقة فينبغي أن نتلكم فيها، ونعرف الفرق ببن المطلق والضروري، فنقول: إن ههنا أقوالا كلها موجبات، والأحوال فيها مختلفة. فنقول: إن الله حي، أي دائما لم يزل ولا يزال، ونقول: كل بياض لون، وكل إنسان حي، ونعني لا أن كل واحد مما هو بياض لون لم يزل ولا يزال كذلك، أو كل إنسان حي لم يزل ولا يزال كذلك، بل إنما نقول: إن كل ما يوصف بأنه بياض، ويقال له إنه بياض، فإنه مادام ذاته موجودة فهو لون. وكذلك كل واحد مما يقال له إنسان. فإنه ليس لم يزل ولا يزال حيوانا؛ بل مادام ذاته وجوهره موجودا. ونقول: إن كل متحرك جسم، ولسنا نعني أن كل واحد مما يتحرك فإنما هو جسم ما دام يتحرك فقط، بل وإن لم يتحرك، إنما نعني أنه جسم ما دام ذاته موجودا. والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن هناك لا يفترق الحال بين قولنا: ما دام ذاته موجودا، وبين قولنا: مادام بياضا. وههنا يفترق الحال بين قولنا: كل موصوف بأنه متحرك مادام ذاته موجودا، وبين قولنا: مادام متحركا. ونقول: كل أبيض فله لوم مفرق للبصر، ولا نعني أن كل واحد مما يقال له أبيض، فما دام ذاته موجودا، فهو ذو لون مفرق للبصر؛ بل مادام موصوفا بأنه أبيض. وأما الذي يوصف بأنه أبيض إذا زال عنه أنه أبيض لم تبطل ذاته. وحينئذ لا يوصف بهذا الوصف،. ونقول: كل منتقل من الري إلى بغداد فإنه يبلغ مثر قرميسين، ولا نعني أنه مادام موجودا أو مادام منتقلا إلى بغداد، بل أنه له وقت لا محالة يوصف فيها بأنه يبلغ قرميسين. ونقول: كل حجر فإنه ساكن، فإن هذا يجوز أن يكونه له دائما ما وجد، ويجوز أن يكون وقتا ما. لا بد من أن يكون وقتا ما، ويجوز مع ذلك أن يكون دائما في بعضه، ما دام ذاته موجودا، اتفاقا لا ضرورة. فلا يكون في كل وقت، إنما هو وقت ما. ونقول: كل مستيقظ فإنه نائم، بمعنى كل واحد مما يوصف بأنه مستيقظ فإنه وقتا ما يكون نائما لا محالة؛ وكل مستنشق فإنه نافخ، ونعني كل موصوف بأنه مستنشق فإنه نافخ ليس ما دام ذاته موجودا، أو مادام مستنشقا، بل له وقت هو موصوف بأنه فيه نافخ؛ وكذلك كان مولودا فإن له وجودا في الرحم، أي كل شيء موصوف بأنه مولود فهو موصوف وقتا ما بأنه في الرحم ليس مادام موجودا. وأنت تعلم أن قولك: إن كل مولود فله وجود في الرحم، و أن كل موصوف بأنه مولود فهو موصوف وقتا ما بأنه في الرحم. وليس هذا أنه موصوف عندما هو مولود بأنه في الرحم. فإن قولك: كل مولود هو كذا، الذي معناه كل ما هو موصوف بأنه مولود، أعم من قولك: بشرط كونه مولودا، أو لا بشرط كونه مولودا، وأعم من أنه حين ما هو مولود أو حينا آخر. ومن هذه ما يكون الوقت وقتا متعينا فيه، كقولك: القمر يوجد له كسوف؛ وقد يكون الوقت وقتا غير متعين، كقولك: الإنسان يوجد له الاستنشاق.
مخ ۲۱۰