165

إن وقوعنا إلى المنحرفات كان بسبب بياننا للفرق بين كون القضية كلية وبين كونها كلية الموضوع، فبان فيما بين ذلك أن المهملات ليست فى حكم المحصورات الكلية وأنها فى حكم المحصورات الجزئية، وهى الأولى بها أن تسمى داخلة تحت المتضادة، وأنها تصدق فى الممكنة معا ولا تكذب ألبتة فى موضع معا. وتأمل ذلك فى المواد الثلاث. فلما تمادى بنا الكلام فى بيان ذلك احتجنا إلى أن نعرف أن الحصر يجب أن يقع فى الحكم من غير تناول للمحمول أيضا، واحتجنا أن نبين أن تناوله للمحمول كيف يكون، ووقعنا إلى المنحرفات وتأملنا حال الصدق والكذب فيها. فلنرجع الآن إلى غرضنا فنقول: إن أول ما يجب أن يعرف من حال الإيجاب والسلب حال التناقض الذى يوجب لصورته أن تكون إحدى القضيتين صادقة والأخرى كاذبة بعينها أو بغير عينها لا لأجل مادة دون مادة. وهذا لايكون بين المتفقين فى الكم، فقد تكذب الكليتان منهما وتصدق الجزئيتان فلا تتناقضان، إذ التناقض هو اختلاف القضيتين بالسلب والإيجاب اختلافا يلزم عنه لذاته أن يكون أحدهما صادقا والآخر كاذبا بعينه أو بغير عينه، فيجب إذن أن يكون المختلفان بالإيجاب والسلب اختلافا تاما محصلا يختلفان أيضا فى الكمية إن كان موضوعهما كليا. وأما ذات الموضوع الشخصي فيكفى فيها الاختلاف التام بالإيجاب والسلب لتعين الموضوع. وأما المهمل فهو فى حكم الجزئيتين الداخلتين تحت التضاد كما قد علمت فإذن المهمل لا تناقض فيه. وكيف والإهمال إما أن يقتضي الكلية فتكون القضيتان كلتاهما كليتين، أو لا يقتضى إلا الجزئية كما علمت فتكونان جزئيتين. وقد علم الحال فى جميع ذلك، فإذن لا تناقض بين المهملتين. فيبقى أن يكون التناقض بين المخصوصات والمحصورات، وأن يكون المحصور المخالف بالكم والكيف هو المناقض فقولنا: كل كذا، يناقضه لا كل أو لا بعض، إذ هما واحد فى القوة، وقولنا: لا شئ، يناقضه بعض. فإن كانت الكلية موجبة صدقت فى الواجب وكذبت فى الممكن والممتنع، ومقابلها يكذب فى الواجب ويصدق فيهما. وإن كانت الكلية سالبة صدقت فى الممتنع وكذبت فى الممكن والواجب، ومقابلهما يكذب فى الممتنع ويصدق فيهما. وعليك أن تجرب. فلا بد فى كل مناقضة من أن يكون فى أحد طرفيها سور كلى، فكل مقابلة محصورة كلية الموضوع وأحد طرفيها وحده مسور بسور كلى، فإنها تقتسم الصدق والكذب فى كل موضع. وكذلك الشخصيات وما عداها فلا تناقض فيها، فيحق أن نقول: إن الإنسان لفى خسر وإن الإنسان ليس فى خسر، وإن الإنسان جميل وإن الإنسان ليس بجميل، وذلك لأنه قد يصير الجميل قبيحا فلا يكون جميلا، وكذلك عندما هو فى التكون جميل فليس بجميل؛ والإنسان يكون جميلا ثم يكون لا جميلا عندما هو قبيح وعندما هو فى التكون قبيحا. أو قيل إن كان جميلا فالموضوع الواحد بعينه يشير إلى صدق القولين: إن الإنسان جميل وإنه ليس بجميل، فكيف موضوعان مختلفان. وليس كون ذلك فى شيئين أو وقتين مما يزيل حقيقة ما يقوله، فإن كل واحد منهما إذا صدق فى وقت، صدق من غير اعتبار وقت ولا وقت. فما لم يحصل للإنسان صفة أنه جميل لم يكن جميلا فى وقت من الأوقات فصدق أنه جميل فى وقت كذا يتقدمه، صدق أنه جميل أى مطلقا. لست أعنى بالمطلق الدائم، فإن ذلك بالحقيقة ليس بمطلق بهذا المعنى بل هو مقرون بشرط الدوام، إنما المطلق ما لا شرط فيه بوجه؛ وكذلك الحال فى السلب؛ وهذا أمر سيأتيك بيانه بوجه آخر من بعد. لكن لقائل أن يقول: إن القولين كليهما كاذبان، فإن قولنا: الإنسان جميل، معناه كل إنسان جميل، وقولنا: الإنسان ليس بجميل، معناه كل إنسان. ونحن قد أتينا بالجواب عن هذا فيما سلف ذكره. فإن قولنا: الإنسان، يقتضى معنى الإنسان بلا شرط، فيصلح أن يتناول كل ما هو إنسان، وإن كان واحدا بعينه. وليس بنا حاجة إلى تطويل الكلام بذكر ما أورده مخالفوا الحق من الاستدلالات بأقوال الشعراء، استعملوا فيها مهملات على أنها محصورات، فأجاب المتكلفون للجواب عن ذلك بأن ذلك فى مادة ضرورية، ولو قالوا: إنا لا نمنع أن نستعمل المهملات منويا بها الحصر. لكن ذلك شئ يعرف لا من نفس القضية، بل من عادة جرت واختصار اعتيد لكان ذلك كافيا، فإنا فى اكثر الأمور نتجوز فنحذف الأسوار ونستعمل المهملات واثقين بأن المخاطبين يقفون على الغرض، والشاعر أيضا لم يكن يلتفت إلا إلى العادة وما كان يشعر من أمر المادة المذكورة وضرورتها شيئا، ولو كانت المادة تجعل ما بالقوة بالفعل لكان يجب أن نقول أن المهملتين فى الواجب والممتنع متضادتان. وليس كذلك، بل يجب أن نعتب حال المهمل من حيث هو قضية وأمر أعم من ذوات المواد الثلاثة لا من حيث فى مادة مادة. فإن المهملة فى مادة الواجب من حيث هى مهملة جزئية الحكم، وإن كانت المادة يصدق فيها الكلى. وفرق بين حكم يصدق لو حكم به، وبين حكم قد حكم به بالفعل، وبين حكم توجبه صورة القضية وبين حكم تريده مادة القضية على موجب صورته. والذى ذكر بعضهم أنكم كيف تجعلون المهملتين صادقتين والموضوع فيهما شئ واحد، وذلك قول خطأ، وذلك لأنه إن عنى شيئا واحدا بالعدد وفى زمان واحد فقد كذب، فإن القائلين إن الإنسان لفى خسر، ليس الإنسان لفى خسر، لا يشيرون فى ذلك إلى إنسان واحد معين بعينه، بل إما أن لا يعينوا أو يعينوا مختلفين تعيينا كأنه خارج عن مفهوم القضية، بل مقرون فى الذهن إلى مفهومها. وإن عنى شيئا واحدا بالحد فليس هذا أول ما يعلمه فى الواحد بالحد، بل لا يبالى بأن يحمل الأضداد على شئ واحد بالحد، وتوحدها فيه كالفردية والزوجية معا فى العدد الذى هو واحد فى الحد. والاشتغال لتطويل القول فى هذه الأشياء مما لا يجدى، لكن يجب أن يتحقق أن غرضنا المقدم ها هنا هو فى تحقيق التناقض، وأن حال التناقض هو على ما وصفناه. لكن للمتشكك أن يتشكك فيقول: ما يمنع أن يكون للإيجاب الواحد مقابلان اثنان حتى يكون كلاهما له فى حكم المناقضة ؟ فنقول إن هذا أمر ممتنع، فإن المحمول الواحد من جهة واحدة من موضوع واحد من سور واحد لا يمكن أن يسلب مرتين إلا أن يكون إما المسلوب مختلفا أو المسلوب عنه مختلفا.فللإيجاب الواحد سلب واحد، فيكون إذن للإيجاب الذى هو أن كل إنسان حيوان سلب واحد. فإن دل بالموضوع أو المحمول على معنيين لم يكن الإيجاب واحدا فلم يكن سلبه واحدا. فإنا إذا سمينا الفرس ثوبا وسمينا به الإنسان أيضا، فقلنا: إن الثوب أبيض كان معناه أن الفرس أبيض والإنسان أبيض، إلا أن يكون الثوب دالا على معنى واحد جامع للإنسان والفرس والثوب، فحيئذ لا يكون اسما للإنسان ولا للفرس بل يكون اسما لمعنى يحمل عليهما. لكنه قد يجب علينا أن نتحقق أصلا لا نسع إغفاله، وهو أنه ليس يجب أن تكون أحوال المتناقضات فى اقتسامها الصدق والكذب حالا واحدا فإن المحصورت يتعين فيها الصدق والكذب لذات القضية ولطبيعة الأمر. وكذلك القضايا الشخصية الزمانية التى أزمنتها ماضية أو حاضرة، فإ ن الزمان الذى حصل جعل أحد الأمرين لاحقا لطبع الآخر بالضرورة. وأما القضايا المتناقضة الشخصية فى الأمور المستقبلة. فإنها ليس يجب فيها من جهة طبائع الأمور أن يتعين فيها صدق ولا كذب، ولا أيضا يكون قد تعين أحدهما فيه بحصول السبب المعين. فإن التعيين إما بموجب الأمر فى نفسه، وإما لوجود السبب المعين لما ليس يجب بذاته أن يتعين. فإن كل شئ واجب، فإما أن يجب لذاته أو يجب بحصول السبب الذى يوجبه، ولو كان فى القضايا التى نحن فى ذكرها تعيين لصدق أو كذب حتى كان كل إيجاب أو سلب، إما صادقا بعينه وإما كاذبا لكان كل أمر فى المستقبل إما أن يوجد لا محالة وإما أن لا يوجد. فإنه إذا قال قائل: إن كذا يوجد، وكان يتعين فيه الصدق أو الكذب، وقال الآخر: إنه لا يوجد ويتعين أنه صادق أو كاذب، وليكن الأول صادقا متعين الصدق حتى لا يمكن أن لا يوجد الأمر أو ليكن الآخر صادقا متعين الصدق، فحينئذ لا يمكن أن يوجد الأمر إذ كان لا يمكن أن يوجد الشىء مع صدق القول بأنه لا يوجد. وبالعكس فإن القول إن كان صدقا فالأمر موجود، وإن كان الأمر موجودا فالقول صدق. فإنه إن كان الشىء فى نفسه يكون إما أبيض بعينه أو غير أبيض بعينه فالقول يصدق فيه إما أنه أبيض بعينه وإما أنه غير أبيض، حتى يكون الوجود واللاوجود مع الصدق والكذب. وحتى إن كان القول فى ذلك صادقا فالأمر يكون لا محالة، وإن كان كاذبا فالأمر لا يكون ألبتة، فيلزم تاليا بما قدمناه من المقدمات الشرطية أن لا يكون كل شىء من الأشياء واجبا أن يكون أو واجبا أن لا يكون، وأن لا يكون شىء مم يكون بالاتفاق، بل تكون الأشياء كلها بالضرورة. وهذا سنشير قريبا إلى إحالته، أعنى التالى من قولنا: إنه إن كان كل إيجاب أو سلب يجب أن يصدق بعينه أو يكذب بعينه فليس شىء من الأشياء يكون على سبيل الاتفاق جائزا فيه الكون واللاكون، بل الأمور كلها ضرورية. والذى أوجب هذا التلو هو أن كان القول قبل كونها يتعين فيه صدق أو كذب، فيكون بياض زيد الذى وجد الآن، لقد كان قبل الآن واجبا ضرورة أن يوجد فى الآن إذ عسى كان بعض الناس قال إنه يوجد، ولم يكن كذب بل صدق فكان كون هذا المصدق به ضروريا، وكذلك فيما يستقبل أيضا مما يقال فيه الآن أنه يوجد، ويصدق القول الآن صدقا متعينا، وليس الأمر إنما يصير موجودا بأنه قد صدق به، بل إنما يكون القول صدقا لأن الأمر فى نفسه كذلك. فإذن هذه الضرورة تكون فى نفس الأمر وإن لم يقل شىء. فقد بان من هذا أن الصدق والكذب إذا تعين واحد منهما عرض هذا الذى سنشير إلى أنه محال، وإن لم يتعين فلذلك وجوه ثلاثة: أحدهما أنهما يشتركان في الصدق، والثانى أنهما يشتركان في الكذب، والثالث أنهما ليس أحدهما الآن واجبا أن يكون صادقا أو كاذبا، بل كل واحد منهما يمكن ذلك فيه وإن كان لا يمكن أن يكون ذلك في غيرهما، وأنه يفوتهما معا فيخرج عنهما الصدق أو الكذب 0 لكن الوجه الأول محال، فإنه إن كانا حقين وكل واحد منهما يقابل الآخر ويناقضه صار كل واحد منهما أيضا كاذبا فكانا حقين وكاذبين معا، وهذا محال؛ وكيف يكونان حقين والحق هو ما يطابق الوجود فسيكون الأمران جميعا موجودين معا، فيكون زيد يبيض ولا يبيض، بل يسود معا في زمان واحد 0 وكذلك القسم الثاني وهو أنهما جميعا يكذبان فإنه يلزم أن يصدقا جميعا أيضا وأن يوجد الأمر ولا يوجد معا ومع ذلك فيكون المحال الأول ثابتا، فإنه يكون الأمران معا ضرورين، ولا يكون في العالم شىء هو من قبيل ما يكون اتفاقا لا بالضرورة فيكون المحال الذى هرب منه قديما ثابتا الآن أيضا، فإذن إثبات الصدق موجودا في أحدهما بعينه يوجب أن لا يكون اتفاق وإثبات الصدق والكذب مشتركا فيهما يوجب هذه المحالات وأن لايكون شىء يحدث بالاتفاق لكن ذاك الذي لزم أولا وهذا الذي لزم الآن محال 0 أما استحالة الذي لزم الآن فظاهرة، وأما استحالة الذي لزم أولا فلأنا نعلم أن ها هنا أمورا تحدث بالاتفاق وأمورا تحدث وكونها ولا كونها بالسواء، ولولا ذلك لما كان بنا حاجة أن نروى أو نفكر أو نستعد معتقدين أنا إن فعلنا ما يجب كان أمرا لا يكون إن قصرنا، ولو كان الأمر الذى نروى فيه ونستعد له مما يكون بالضرورة أو لا يكون بالضرورة، كأن قائلا قال فيه أمرا فصدق أو كذب فيعين حكمه لقوله ما كان لاستعدادنا ورويتنا فائدة بوجه من الوجوه، لكن عقولنا تشهد بفائدة الاستعداد فلا نشك فيها، فإذن ما يرفعها ويبطلها محال. فإذ كان بعض الأمور بالصفة المذكورة وكان الاستعداد والأهمية بغير حاله لم يكن ضروريا بنفسه ولا يتعين فإذن هذا التعين عن الصدق والكذب محال، وليس هذا فى الأمور التى تكون بالاختيار فقط، بل الأمور التى فى الطبع أيضا كالخشب فإنه يمكن فى طباعه أن يبقى إلى أن يبلى ويمكن أن تصادمه نار فيحترق ولا يجب له من حيث هو خشب أحد الأمرين. فهكذا يجب أن يفهم ما قيل فى التعليم الأول ولا يلتفت إلى التكلف الذى يتكلفه بعض المفسرين حتى يظن أن هذا الكلام المورد فى التعليم الأول إنما يراد به إثبات الضرورة ونفى الإمكان ثم يرجع عنه إلى إثبات الإمكان ونفى الضرورة على سبيل المراوضات فإنه إذا تأمل النسق الذى عبرنا عنه ونسق التعليم الأول علم أن هذا هو أولى به فإن قيل فى تفاسيرهم تكلف مع أنه محال، فإن النظر فى طبيعة الضرورى والممكن وإثبات الإمكان ليس مما يفى به المنطقى من حيث هو منطقى، بل ذلك لصناعة أخرى. إنما غرض المنطقى أن يعلم حال الصدق والكذب، وأنه كيف يتعين وكيف لا يتعين وأن التعين فى بعض الأمور يوجب محالا معاندا لما كان ظاهرا مشهورا. فبين أن من الأمور ما ليس ضروريا فى الوجود واللاوجود فإنه من المشهور الظاهر أن كثيرا من الأشياء ليس وجوده بضرورى، لست أعنى ما دام موجودا وبشرط أنه موجود، فإنه بهذا الشرط وسائر الشرائط الأخرى التى تشبهه مما ستعلمه فى مواضع أخر من الشرائط التى تطرأ على الممكن فتغير حاله إلى الضرورة فيكون الشىء بها ضروريا، بل إنما ليس وجوده ضروريا من حيث النظر إلى ماهيته بلا زيادة فإنه لا سواء إثبات الشرط وحذفه فليس سواء أن تقول زيد ماش بالضرورة؛ وقولك زيد ماش بالضرورة، مادام ماشيا، وكذلك تقول: زيد الماشى يمكن أن لا يكون ماشيا إذا أخذناه مطلقا ولم نعن وقت مشيه ولا نقول: زيد الماشى يمكن أن لا يكون ماشيا ما دام ماشيا، وكذلك إذا نظرت الى الاحتراق والخشبة وجدت الاحتراق لا ضرورة فى وجوده لها فإن اشتراط حال ما هو محترق أو حال مماسة نار قاهرة إياه فى مدة تفعل فى مثلها صار واجبا، وكذلك الحال فى الأقوال فإن بعضها صادق بعينه وبعضها كاذب بعينه وبعضها جائز فيه أن يصدق وأن يكذب وأما الآن فليس يفيد صدقا ولا كذبا إلا أن يلحق به شرط ولكن لا يكون الصادق والكاذب شيئا غيره وغير نقيضه، بل كما أن الأمر ليس واجبا أن يكون موجودا، كذلك ليس القول واجبا أن يصدق، وكما أن الأمر واجب أن يكون مادام كائنا وأن لا يكون ما دام غير كائن. وكذلك القول الذى لم يكن واجبا أن يصدق حين قيل بالإطلاق مثلا: إن زيدا يوجد، فأنه يصدق اذا قيل: إن زيدا يوجد مادام موجودا. وكذلك القول الذى لم يكن يصدق بالفعل إذا قيل: ان زيدا لا يوجد فإنه يصدق بالفعل إذا قيل. إن زيدا لا يوجد مادام لا يوجد. وتفهمك هذا يغنيك عن اشتغالى بنقض ما قاله بعض الناس فى أن قيل فى التعليم الأول من أن زيدا ماش بالضرورة مادام ماشيا وأنه ليس ماشيا بالضرورة كالمتناقض ليجتمع من جميع ما قيل إن هذه القضايا ليس يتعين فيها صدق بالضرورة بل بالإمكان وإن كان أحد الطرفين فى بعضها أولى بالصدق كما أن بعض الأمور التى لا ضرورة فى كونها ولا كونها. فإن كونها مع ذلك أولى من لا كونها كموافاة الخارج إلى دكانه دكانه فى أكثر الأمر.كاذب شيئا غيره وغير نقيضه، بل كما أن الأمر ليس واجبا أن يكون موجودا، كذلك ليس القول واجبا أن يصدق، وكما أن الأمر واجب أن يكون مادام كائنا وأن لا يكون ما دام غير كائن. وكذلك القول الذى لم يكن واجبا أن يصدق حين قيل بالإطلاق مثلا: إن زيدا يوجد، فأنه يصدق اذا قيل: إن زيدا يوجد مادام موجودا. وكذلك القول الذى لم يكن يصدق بالفعل إذا قيل: ان زيدا لا يوجد فإنه يصدق بالفعل إذا قيل. إن زيدا لا يوجد مادام لا يوجد. وتفهمك هذا يغنيك عن اشتغالى بنقض ما قاله بعض الناس فى أن قيل فى التعليم الأول من أن زيدا ماش بالضرورة مادام ماشيا وأنه ليس ماشيا بالضرورة كالمتناقض ليجتمع من جميع ما قيل إن هذه القضايا ليس يتعين فيها صدق بالضرورة بل بالإمكان وإن كان أحد الطرفين فى بعضها أولى بالصدق كما أن بعض الأمور التى لا ضرورة فى كونها ولا كونها. فإن كونها مع ذلك أولى من لا كونها كموافاة الخارج إلى دكانه دكانه فى أكثر الأمر.

المقالة الثانية من الفن الثالث من الجملة الأولى في المنطق

الفصل الأول (أ) فصل في القضية الثنائية والثلاثية والمعدولة والبسيطة والعدمية والنسب التى تقع بين مناقضات هذه الثلاثة فى المخصوصات والمهملات

مخ ۱۸۱