ولما كان موضوع القضية لا يخلو إما أن يكون كليا أو جزئيا فالحكم إماعلى الكلى وإما على الجزئى. فإذا كان الموضوع جزئيا كقولك: زيد كاتب، فإن مناقضه سالب اجتمع فيه من مراعاة الشرائط ما ذكرناه، وأما إن كان الموضوع كليا فإما أن يكون الحكم عليه كليا أى يكون قد بين أن الإيجاب على كل واحد مما تحته أو أن السلب عن كل واحد منه فلا إيجاب على شىء البتة مما تحته، أو بين إن الإيجاب أو السلب فى بعضه، أو يكون قد ترك ذلك تركا ولم يتعرض له، وإنما تعرض للكيف دون الكم، أعنى الإيجاب والسلب دون التعميم والتخصيص. مثال الحكم بالإيجاب الكلى على الموضوع الكلى قولك فى الحمليات: كل إنسان حيوان، فقد أوجبت الحيوانية على كل واحد مما يوصف بأنه إنسان. وأما تتميم القول فى تفهيم هذا فليؤخر إلى الفن الذى يذكر فيه القياس، فقد جرت العادة بذلك، وإن كان هذا الموضع أحق به. ومثال السلب الكلى على الموضوع الكلى قولك: ليس ولا واحد من الناس بحجر وأما بحسب لغة العرب فإذا قيل: ليس أحد من الناس بحجر كان السلب يقتضى العموم، ولم يفهم منه أنه يعنى أحدا من الناس بعينه واحدا خاصيا. وأما بحسب دلالة اللفظ فالواجب هو الذى قلنا أولا أنه ليس ولا واحد البتة من الناس بحجر فكأنه قال لا يوجد إنسان بحجر ولا واحد البتة من جملة الناس يوجد حجرا. وفى اللغة الفارسية يحتاج أن يقرن لفظة هيج بالسلب حتى يدل على العموم. على أن تحقيق القول فى هذا إلى أصحاب صناعة اللغة. وهذان الحكمان ليسا بمتناقضين، وكيف وقد يكذبان معا إذا كان المحمول من المعانى التى إذا قيست إلى شخص لم يجب أن يكون لها ولم يجب أن لا يكون وإذا قيست إلى طبيعة الإنسانية وجدت الإنسانية لا توجيها ولا تمتنع عليها. ومثاله كقولك كل إنسان كاتب أى بالفعل ولا واحد من الناس بكاتب، فإن كليهما كاذبان. ولو كان قولنا كل إنسان كاتب سلبه الذى يبقى صدقا عند كونه كاذبا هو ولا واحد من الناس بكاتب لكان يجب أن لا يكذب قولنا: ولا واحد من الناس بكاتب. فإذن ليس هذا مقابله بالتناقض، بل هو مقابل له من حيث هو سالب لمحموله مقابلة أخرى. فلنسم هذه المقابلة تضادا إذا كان المتقابلان بها لا يجتمعان ألبتة فى الصدق ولكن قد يجتمعان فى الكذب كالأضداد فى أعيان الأمور، فإن الأضداد لا تجتمع معا ولكن قد ترتفع معا، على ما علمت.
مخ ۱۶۹