فإذن إنما يكون واحدا إذا كان المحمول واحدا والموضوع واحدا لا فى الاسم وحده، بل وفى المعنى، لا كقولك العين جسم وتشتمل نيتك على عين البصر وعين الماء وعين الدينار، فإن هذه القضية وإن كانت حقا فإنها ليست واحدة. وذلك لأنك لا يمكنك أن تجعل للعين مفهوما واحدا يشتمل على الثلاثة ثم يحمل عليه الجسم. فإن نويت واحدا من المعانى ودللت عليه باللفظ المشترك لم يكن الاشتراك الواقع فى اسم الموضوع أو المحمول مكثرا لمعانى القضية، والإ فمن يجد اسما غير مشترك ويستعمله إنما يكون الاسم مدلولا به على كثيرين، إذ دل به المتكلم على كلها. وأما إذا نحا واحدا منها فدل عليه لم يكن اللفظ دالا فى استعماله إلا على ذلك الواحد، وإن كان ربما اشتبه على السامع. وليس كل ما يكون موضوعه أو محموله اسما مشتركا لمعانى يستمر الصدق فى الحكم المحكوم به على جميعها، بل كثيرا ما يختلف فيغلط. كما يقال إن العين بصيرة، فإن أريد عين الإنسان وعين الشمس كان مختلفا فى الصدق والكذب، فالحملية الواحدة هى بهذه الصفة وليست مركبة بالحقيقة من القضايا. وأما الشرطية فهى عند التفريق قضايامختلفة إنما يوجد بين اثنين منها الرباط بأن يقرن بأحدهما أو كليهما حرف أو لفظ فيسلبه خاصية القضية من كونه لصورته جائزا أن يقال فيه إنه صادق أو كاذب. فإنك إذا قلت إن كانت الشمس طالعة وسكت ولم تزد أزلت قولك الشمس طالعة عن أن أن يلحقه تصديق، فإن هذا القول وحده لا صادق ألبتة ولا كاذب . وكذلك إذا قلت: إما أن تكون الشمس طالعة وسكت ولم تزد، بل تحتاج فى الأول أن تذكر تاليه وفى الثانى أن تذكر معانده، فحينئذ يحدث قول واحد من قولين فى أنفسهما قضيتان، بطل عن كل واحد منهما كونه قولا جازما. فإن قولك أيضا: فالنهار موجود ملحقا به الفاء معتدا بدلالتها من غير أن تلغى لا يكون صادقا وحده، بل بالجملة قول جازم واحد بالرباط، وليس قولا جازما واحدا بسيطا على الإطلاق. وكيف وفيه قولان جازمان، لكن الرباط سلبهما ذلك وأحدث منهما قولا جازما واحدا فبالرباط صار واحدا. وإذا علمت القول الجازم الواحد، فقد علمت الكثير، فإن الكثير إما أن يكون واحدا فى المسموع، فذلك لاشتراك اسم فيه، وإما أن يكون كثيرا أيضا فى المسموع كثرة لم يربط بعضها ببعض ربطا موحدا. وهاهنا يعلم أن الألفاظ كيف تدل من حيث هى ألفاظ فقط ومن غير دلالة إيجاب وسلب، وأن التركيب الأول الجازم منها هو تأليف بين اثنين منها على سبيل إيقاع أحدهما على الآخر أو نزعه عن الآخر، وأن التركيب الثانى هو القول المركب؛ كذا قيل فى التعليم الأول.
مخ ۱۶۷