156

وكل عدم فإنه يتحدد. ويتحقق بالوجود. والوجود لا يحتاج فى تحققه أن يلتفت إلى العدم، فالسلب لا يتصور إلا أن يكون عارضا على الإعجاب رافعا له؛ لأنه عدمه؛ وأما الإيجاب فهو وجودى مستغن عن أن يعرف بالسلب فيكون السالب بعد الموجب. ولست أعنى بهذا أن الإيجاب موجود فى السلب، كما قال بعض المفسرين فإن الإيجاب يستحيل أن يوجد مع السلب، بل الشىء الذى لو انفرد كان إيجابا هو موجود فى حد السلب، كما لو قال قائل إن البصر موجود فى حد العمى، ليس معناه أن البصر موجود فى العمى، بل معنى هذا أن العمى لا يحد إلا بأن يذكر أنه عدم البصر، فيقرن البصر بالعدم، فيكون البصر أحد جزأي البيان، وإن كان ليس جزءا من نفس العمى. كذلك نسبة الإيجاب مذكورة فى نسبة السلب على أنها مرفوعة لا على أنها جزء من السلب أو داخل فى السلب وجودا، بل داخل فى حد السلب. والمعنى الذى يسلب هو موجود فى لفظ السلب وفى معنى السلب، وإن لم يكن موجودا فى ذوات الأمور. فإن من تسلب عنه شيئا فلا بد أنك تدخل فى السلب ذلك الشىء لا على أن ذلك الشىء يكون فى الوجود داخلا فى المسلوب عنه. وإذا جعل الإيجاب موجودا فى السلب فإنما هو من حيث أن السلب إنما يرفعه فيوجد فى السلب من حيث تركيب بينه وبين حرف السلب، كقولك: زيد ليس هو حيا، فإن ((هو حى)) هو الذى لولا حرف النفى كان إيجابا على زيد، فجاء السلب فرفع هذه النسبة. فمن وجه يحق أن يقال إن الإيجاب ليس يكون مع السلب، فإن الإيجاب كيف يساعد السلب وكيف يجتمع معه ؟ ومن وجه يحق أن يقال إن السلب بالحقيقة أمر يرفع الوجود الذى هو الإيجاب، فإن العدم والرفع إنما يتناول الوجود والحصول ولا يتحدد دونه. والاعتبار الذى بسببه ما الإيجاب داخل فى حد السلب يجعل الإيجاب داخلا فى السلب؛ والاعتبار الذى لا اجتماع معه بينهما يمنع الإيجاب أن يكون داخلا فى السلب بالقوة وبالفعل وليس كون الإيجاب جزءا من السلب أو موجودا فيه هو كون الإيجاب والسلب مجتمعين معا؛ فإن الفرد موجود فى الزوج والزوج فى الفرد، وليس يوجب ذلك أن يكون قد اجتمعت الفردية والزوجية اجتماعهما المستحيل حتى يكون شىء واحد هو زوج وفرد، إذ الزوج جزء الفرد، لا بعينه، ولا أن شيئا واحدا بعينه موصوف بهما. لكن ليس حال الإيجاب من السلب هذه الحال، بل هو جزء من حد السلب وليس إذا كان جزءا من حد السلب صار السلب إيجابا، أو المسلوب موجبا، وصار السلب موجودا مع إيجاب جزؤه إلا فى الذهن.

وأما ما خاضوا فيه من حديث أن الإيجاب أشرف أو السلب حتى قال بعضهم: إن الإيجاب أشرف؛ وقال بعضهم: إن السلب فى الأمور الإلهية أشرف من الإيجاب، فنوع من العلم لا أفهمه ولا أميل أن أفهمه.

الفصل السادس (و) فصل في تعريف القول الجازم البسيط الأول والذى ليس بأول وتعريف الإيجاب والسلب وإعطاء الشرائط فى تقابلهما

وكل قول جازم، كان حمليا أو شرطيا، فإنه مفتقر فى لغة اليونانيين إلى استعمال الكلمات الوجودية، وهى الكلمات التى تدل على نسبة وزمان من غير أن يتحصل فيها المعنى المنسوب إلى الموضوع الغير المعين، إلا ما كان الأصل بعينه كلمة.

أما الشرطيات فذلك فيها مستمر فى لغة العرب. أما المتصلات فإنك تقول: إذا كان، وكلما كان، ومتى كان، وإن كان. وأما المنفصلات فانك تقول: إما أن يكون كذا، وإما أن يكون كذا، فتضطر إلى استعمال الكلمة الوجودية فى الأمرين دائما.

مخ ۱۶۵