155

لكن النافع فى العلوم هو إما التركيب الذى على نحو التقييد، وذلك فى اكتساب التصورات بالحدود والرسوم وما يجرى مجراها، والتركيب الذى على سبيل الخبر، وذلك فى اكتساب التصديقات بالمقاييس وما يجرى مجراها. وهذا النحو من التركيب يحدث منه جنس من القول يسمى جازما والقول الجازم يقال لجميع ما هو صادق أو كاذب. وأما الأقاويل الأخرى فلا يقال لشئ منها إنه جازم، كما لا يقال إنه صادق أو كاذب، فالنظر فيها أولى بالنظر فى قوانين الخطابة والشعر. والقول الجازم يحكم فيه بنسبة معنى إلى معنى إما بإيجاب أو سلب، وذلك المعنى إما أن يكون فيه أيضا هذه النسبة أو لا يكون، فإن كان، كان النظر فيه لا من حيث هو واحد وجملة، بل من حيث يعتبر تفصيله، فإن القول الجازم ليس ببسيط ولا حملى، كقولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فقد حكم ها هنا بإيجاب نسبة الاتصال بين قولنا الشمس طالعة وقولنا النهار موجود، فأوجب تلو ثانيهما للأول، وكقولنا إما أن تكون الشمس طالعة وإما أن يكون الليل موجودا فقد أوجب ها هنا نسبة عناد بين قولين. وفى أجزء كل واحد من القولين فى المثالين تركيب أيضا يحكم فيه بهذه النسبة، أعنى النسبة الجاعلة للقول جازما، فإن قولنا: الشمس طالعة، فقد يشتمل على إيجاب نسبة بين الطالعة وبين الشمس، وكذلك فى سائر الأجزاء، وإنما استعمل من حيث هو بهذه الصفة. وجميع ما كان على هذا الوجه فيسمى شرطيا، وما جرى المجرى الأول يسمى متصلا، وما جرى المجرى الثانى يسمى منفصلا.

وأما إن لم يكن كذلك؛ بل كان التركيب بين معنيين لا تركيب فيهما أصلا، كقولنا: زيد حيوان، أو بين معنيين فيهما تركيب لا صدق فيه ولا كذب، ويمكن أن يقوم بدله مفرد، كقولنا: زيد حيوان ناطق مائت، فإن تركيب الجزء منه وهو قولنا: حيوان ناطق مائت تركيب بهذه الصفة ويقوم بدله لفظ مفرد. كقولنا: إنسان، أو تركيب فيه صدق أو كذب ولكن أخذ، من حيث هى جملة، يمكن أن يدل عليها لفظ مفرد، واعتبرت وحدته لا تفضيله، كقولنا: إن قولنا الإنسان يمشى، قضية فإنه ليس يلتفت إلى حال الإنسان وحال حمل المشى عليه، بل إلى الجملة التى يجوز أن تسمى قضية.وكذلك لو قال: سمعت أنه رأى عبدالله زيدا، وما أشبه هذا، فجميع هذه التى لا يراد أن يحكم فى أجزائها بالنسبة الإيجابية والسلبية، وإن كان يتفق فى بعضها أن يكون فى الجزء منها إيجاب وسلب، فيجعل التأليف الإيجابى والسلبى كشىء واحد يلتفت إلى وحدته، بحيث يمكن أن يدل عليه باسم واحد، إن أريد، فهو حملى، وخاصته أن المنسوب إليه يقال فى إيجابه: إنه هو ما جعل منسوبا كما يقال: إن الإنسان هو حي، وفى السلب خلافه. وأما فى الشرطية فإنما يقال فى إيجابه إن هذا لازم تال لذلك أو معاند له، ولا يقال لأحد الجزأين إنه الآخر. فلنؤخر القول فى الشرطيات، فإنا سنأتيك فيها بكلام مستقصى.

ولنبدأ بالكلام فى القول الجازم البسيط، وهو الحملى، وأبسطه الموجب، ثم بعده السالب. وأما الشرطيات فهى بالحقيقة قضايا كثيرة لا قضية واحدة، وإنما صارت واحدة برباط الشرط الذى لما لحق المقدم من فصيلتها أو فصولها حرفه، فجعله غير صادق ولا كاذب، كما لحق ((إن كان)) بقولنا ((الشمس طالعة))، وكما لحقت لفظة ((إما)) بالمثال الآخر، فصار كل مقدم موقوفا فى أن يتعرف به صدق وكذب إلى أن يلحق به الآخر بعد ما هو فى نفسه بحيث لو انفرد كان صادقا أو كاذبا، وإذا ألحق به الآخر فتم الكلام كانت الجملة صادقة أو كاذبة لا المقدم وحده، وكذلك حال التالى فإنه لا يعتبر فى صدق الشرطية وكذبها صدق أجزائها وكذبها، كانت واحدة أو كثيرة.

فأول القضايا الحملى، وأوله الإيجاب لأنه مؤلف من منسوب إليه يسمى موضوعا ومنسوب يسمى محمولا على نسبة وجود، وأما السلب فإنه يحصل من منسوب إليه ومنسوب ورفع وجود النسبة.

مخ ۱۶۴