ثم من الواجب أن ننظر فى أمر النار التى يدعى أنها تحت الفلك، وأنها فى هيئة الجو، ولكنها شديدة الحر، حتى أنها تحرق ما يصل إليها، هل تلك الحرارة لها من جوهرها، أم تعرض لها بسبب تحريك الفلك؟
فإن كانت بسبب تحريك الفلك، فما جوهر ذلك الجسم فى نفسه الذى عرض له ما عرض؟ فإن كان جوهره هواء لكنه سخن، فيشبه أن تكون نسبة النار إلى الهواء هى بعينها نسبة الجمد إلى الماء، فلا يكون مفارقا له بالفصل؛ بل تكون مفارقته له بعرض من الأعراض.
وإن كان الحق ما يدعى قوم من أنها فاترة لا تحرق، فبماذا تفارق الجو؟ وأما النار التى عندنا فهى بالاتفاق غير تلك النار.
فإن كانت هذه التى عندنا تلك، وقد عرض لها اشتداد فى الحر للحركة، وإضاءة للاشتعال فى الدخان، فبماذا تخالف الهواء، حتى تنسل عنه، وتطفو عليه حارة فى الحركة المسخنة، فيسخن لذلك؟
وإن كان معنى النار فى هذه غير معنى النار هناك فهذا إما أسطقس وإما مركب. فإن كان أسطقسا فقد زاد عدد الأسطقسات . وإن كان مركبا فلم صار المركب فى كيفيته أقوى من البسيط؟ ولم صار الحر يصعد ما مكانه الطبيعى هو السفل، كما يصعد الماء والدخان وفيها طبيعة مهبطة، لكنها تغلب بهذه الكيفية؟
ثم البرد لا يفعل ضد ذلك فى إهباط النار.
مخ ۱۶۳