فيجب أيضا أن يكون الظاهر البارز يهرب من الكامن اللهم، إلا أن يجعل الأغلب أجذب. ومعلوم أن الذى يلى جسما من جهة واحدة يتحرك إليها بالاستقامة هو ما يساويه. ثم إن فصل شىء فهو مباين لذلك خارج عنه لا ينفع أن يقال باشتداد القوى عند ازدياد المجاورات وهو استحالة ثم إن لم يكن الضد عند الاستحالة. يكمن، ولكنه يكون مخالطا لضده مخالطة غالبة، فإذا أراد أن يستحيل المستحيل تحلل هو، وفارق ظاهر المستحيل. أو ظاهره وباطنه، فيبقى الضد الآخر صرفا - لم يخل إما أن يكون مع تحلله يسد ضده مسده أو لا يسد مسده. فإن لم يسد مسده وجب أن يكون كل مستحيل ينقص حجمه أو يكون كل مستحيل يتخلخل و ينتفش. وإن كان قد يسد ضده مسده على سبيل الورود من الخارج، لا على سبيل البروز، فلم صار الشىء الذى يبرد بعد الحرارة ينقص حجمه، اللهم إلا أن يكون الذى يتحلل حاره، ويظهر بارده لا يسد ضده مسده، ويكون الذى يتحلل بارده، بالضد وهذا تحكم. ومع هذا كله، فإن ذلك البارد يسخن مرة أخرى، والحار يبرد مرة أخرى، كل ليس دون الأول، ويجب أن يكون دونه؛ لأن التحلل صرفه ومحضه، أو ترك فيه من الضد شيئا يسيرا.
وأما المذهب الذى يخالف الكون، ومع ذلك يشابهه فى أحكام، وهو أن الحار مثلا لن يبرد بالاستكشاف عن بارد كمين، ولكن يرد عليه من خارج ما يخالطه ، وهو بارد، فيغلب عليه البارد؛ والبارد لن يسخن بالانكشاف عن حار كمين، لكن يرد عليه من خارج ما يخالطه وهو حار؛ وأنه ربما كان بعض الأجسام قوى القوة فى كيفيته، فيكون القليل منه فى المقدار يظهر قوة كثيرة، كمن يورد عفرانا قليلا على لبن كثير فيصبغه. فربما لم يكن للوارد كبير أثر فى زيادة الحجم، وكان له كبير أثر فى زيادة الأثر.
وقد يجوز أن يكون الضد الوارد طاردا لضده، وربما احتاج إلى أن يطرد ما يساويه فى المقدار. وربما احتاج أن يطرد ما هو أكثر منه. وربما بقى أن يطرد ما هو أقل منه، حتى يظهر أثره. وربما لم يحتج أن يطرد شيئا ألبتة البتة ؛ بل جاء بزيادة. وهذا المذهب ليس بمذهب ضعيف.
مخ ۱۰۸