وكذلك حال الأجسام السود والبيض، والحلوة والمرة وغير ذلك؛ فإنها يوجد منها ما يقبل الاستحالة إلى الضد، مع دلالة الحس على تشابه أجزائه، وانه إذا استحال أيضا إلى الضد لا يكون ذلك بأن يبرز شىء إلى الظاهر، ويكمن ضده فى الباطن، بل يكون إذا سخن أيضا ظاهر البارد فإن باطنه أيضا سخين. فإن كان الكامن كافيا بالمداخلة التى هى محالة، فيجب أنها إذا انفكت حتى يخلص البارد من الحار، والحار من البارد، أن تأخذ فى كل حال مكانا أعظم وليس كذلك. فإن الانفكاك الذى يخلص الحار ظاهرا من البارد قد يتبعه ويلزمه العظم. وأما الانفكاك الذى يميز البرد فإنه ينقص الحجم نقصانا بينا للحس: فإن كان ظهور البرد يوجب فرط مداخلة، والمداخلة توجب زيادة خفاء، فيكون الاستعلان استخفاء.
على أن المداخلة تقضى على المتداخلين بحكم واحد. فإن حكم كل واحد منهما من الآخر حكم الآخر منه.
وإن كان الكامن كامنا بالمجاورة فلا محالة للكامن حيزا يختص به، وأن الكامن باطنه ضد ظاهره، أعنى باطنه الجرمى وليس هذا بموجود فى الحس، وليس هذا الوجود إلا وجودا حسيا. فليس هذا بموجود أصلا. ثم ما بال الماء مثلا إذا أراد أن يبرز الكامن منه من الهواء احتاج ذلك الهواء إلى مكان أعظم من المكان الذى احتاج إليه وهو فى الماء؟ ومعلوم أنه إذا كان على حجمه وقدره المتقدم لم يحتج إلا إلى مثل مكانه. فلا يجوز ما أن تزداد تلك الأجرام حجما، أو يحدث هواء جديد،
أو يقع خلاء. لكنها إن ازدادت حجما فقد يعرض للأجزاء المذكورة أن تفعل بغير التميز، وهذا خلاف أصل المذهب. ولا محالة أن ازدياد حجمها تابع لانفعال يعرض لها، أو مقارن يقارنها. وظاهر أن العلة لذلك هو التسخين، وهذا إثبات للاستحالة. وليس للاستحالة عندهم وجه إثبات.
مخ ۱۰۴