وأما القائلة منهم بتناهى ذلك، مجوزة أن يكون عن ماء نار أو أرض أو غير ذلك، على سبيل الانتقاض، فيفسد مذهبها أحاطتنا بأن الماء إذا انتفضت عنه الأجزاء النارية المتناهية بقى هناك ماء، إن استحال نارا لم يكن كون كل نار عن ماء إنما هو بسبيل الانتفاض والتميز، بل على سبيل سلخ الصورة؛ وإن امتنع عن الاستحالة لم يكن كل ماء من شأنه أن يكون عنه نار أو هواء. وأن اضطر إلى أن يقول إن هذا الاختلاط بحيث لا يتأتى كمال التميز فيه، لم يخل إما أن يكون جميع الأجزاء النارية التى فى الماء والهواء سواء فى شدة الملازمة للأجزاء المائية، أو بعضها ألزم، وبعضها اسلس طاعة للتميز. فإن كان الجميع سواء فى ذلك، وجازت المفاصلة على جزء جازت أيضا على كل جزء .وإن كان بعض الأجزاء ليس من شأنه أن يفاصل فإن كان ذلك لطبيعة النارية فالآخر مثله؛ وإن كان لطبيعة مضافة إليها فهو غلط آخر، والكلام عليه، وفى مخالطته و مفاصلته ثابت. ومع ذلك، فيبقى الذى لا يفاصل فى طائفة من الماء تصير به تلك الطائفة ماء لا يتكون عنه نار.
وأما إن قيل أن الماء يتكون عنه نار أو هواء إلى أن تتميز الأجزاء المائية، ويبقى ماء صرفا لا يتكون عنه نار بعد ذلك - وهو قول غير قول المخاطبين فى هذا الوقت - فلا يلزم هؤلاء شىء مما قلنا ألبتة البتة ، و كانت مخاطبتهم من وجه آخر، و بالكلام المشترك المخاطبة جميع من رأى أن الأشياء التى نسميها نحن الاستحالة، إنما هى بروز من الكوامن، أو مداخلة مبتدأه. وذلك لأن الماء إذا سخن لمجاورة النار ففيه ظن من يرى أن ناريات فيه قد برزت، وظن من يرى أن ناريات قد نفذت فيه، وداخلته من النار المجاورة.
مخ ۱۰۲