ثم هذه الأربعة لا تتكون منها الكائنات ولا تفسد إليها إلا باجتماع من أجزائها إلى المركب، وافتراق من المركب إليها. ولن يجتمع منها المركب إلا بافتراق يقع فيها؛ وأنه لا سبيل إلى الظن بأن شيئا ينفعل بنفسه إلى اجتماع أو افتراق؛ إذ كل منفعل فإنما يخرجه من القوة إلى الفعل فاعل؛ وأنه من المستحيل أن تكون طبيعة واحدة بسيطة يصدر عنها فى موضوعات بأعيانها جمع وتفريق معا، وإن كانت الطبيعة المركبة لا يبعد أن يصدر ذلك عنها. ولكن إنما يصدر حينئذ كل واحد منهما عن جزء من المركب خاص، فيكون الجمع يصدر عنه عن جزء، والتفريق عن آخر. ويكون المصدران الأوليان لذينك الفعلين هما الجزءان اللذان يجب أن يكونا مختلفين فى الطباع، لأن فعليهما مختلفان فى الطباع، ويكون كل واحد إما قوة مجردة، وإما قوة فى جسم. وأحرى ما تسمى به القوة الجماعة هى الألفة والمحبة، وأولى ما تسمى به القوة المفرقة المشتته الموجبة تباعدا بين المتشاكلات هو الغلبة والبغضة والعداوة.
قالوا فيجب ضرورة أن يكون ههنا اسطقسات أربعة تتصرف فيها الغلبة والمحبة، وإذ التصرف إنما هو بالجمع والتفريق، وذلك لا يوجب تغيرا فى الجوهر، فلا يسبب لإيقاع تغير فى جوهر العناصر. فلذلك مالا يرى هذا القائل أن العناصر يستحيل بعضها إلى بعض البتة، ولا يراها تقبل كونا وفسادا. وليس يقتصر من فصولها على الكيفيات الأربع فقط؛ بل يرى لها فى ذواتها الفصول من جميع الكيفيات الأخرى. لكنه يراها أربعا لا غير. فهى عنده متناهية العدد والمقدار.
مخ ۹۰