159

شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

ژانرونه

ماذا أقول؟! أأقول إننا اليوم وأينما تلفت فسحب الأخطار تزحف وأهوال التحديات تنادي باليقظة للحاضر الذي ينبغي أن يكرر خير ما في الماضي من تراث، ويتهيأ لخير ما في المستقبل من أمل وعمل.

أأقول إننا اليوم نعيش بداية انقراض تلوح نذره، أم نهاية انقراض بدأنا نتخلص من آثاره؟! لن أستسلم للتفاؤل أو التشاؤم. حسبي أن أدعوك يا قارئي لواجب الحضور الحي وعبء اللحظة الخالدة. ليست دعوة صوفي، فأنا لم أبلغ أعتاب هذا الشرف، والعلاقة بين الوعي بالحضور الحي لزمانيتنا وبين السرمدية «مقام مهيب غامض»،

18

إنما هي دعوة إنسان يقدر قيمة اللحظة الحاضرة، ويعلم أنها الفرصة الوحيدة للسرمدية، أو بلغة أقرب إلى واقعنا اليومي البائس هي الفرصة الوحيدة لكي «نكون أو لا نكون».

وإذا كانت الأسماء التي تكلمت عن الحضور في اللحظة الخالدة أكثر من أن تحصى أو تعد، وإذا كانت هذه الأسماء تزدحم بها شواهد التصوف والفلسفة والفن والشعر والأساطير والطقوس مما لا يجدي معه حصر للمراجع والنصوص، فلنختر أقصر الطرق وأشدها تواضعا، ولنكتف بالنظر في تأملات فيلسوف معاصر لم يمض على وفاته أكثر من عام، نتلوها بخواطر مستمدة من واقع آخر ومجال مختلف قلما ننتبه إليه، وهو واقع الشعر والأسطورة والطقوس، لنختم هذه النظرات بسطور قليلة عن الحضور في اللحظة الخالدة، لحظة نفاذ السرمدية في الزمانية، اللحظة التي يتعانقان فيها - في لمسة هي أشبه بوميض الشمعة أو لمح البرق - فنؤكد وجودنا وحاضرنا في «الآن»، ونعي ذاتنا حين نتشبث بصخرة اللحظة، ونقاوم طوفان الزمن الصاخب، ونثبت أننا جديرون بالنعمة السرمدية حين نكون أوفياء للحظة، مستعدين لتحمل مشقتها ومسئوليتها استعدادنا لترقب نورها وبريقها. •••

لماذا ارتبط الزمان دائما بالوجود؟ ولماذا لا نفكر في أحدهما دون أن نفكر في الآخر؟! الوجود منذ فجر الفكر الفلسفي مرادف للحضور. والحضور يكون في أفق الحاضر، ويتكلم بصوته. والحاضر في التصور الشائع بعد من الأبعاد الثلاثة التي تلازم تصورنا للزمن، الذي يسير على طريق لا رجوع فيه من ماض إلى حاضر إلى مستقبل. والماضي في تصورنا الشائع أيضا هو الذي لم يعد له وجود كما أن المستقبل هو الذي لم يوجد بعد.

ونحن نذكر الزمان حين نقول: لكل شيء زمانه، فكل موجود يأتي عندما يجيء أوانه، ويذهب عندما يحين حينه، ويبقى مدة الزمن التي قدرت له. ولكن هل الوجود شيء؟! هل يشبه الموجودات التي تكون في الزمن؟ وهل الزمان نفسه شيء، أم هو الذي يسع الأشياء والموجودات التي تكون فيه وتفسد، تولد ثم تموت بعضة نابه؟

عبثا نبحث عن الوجود نفسه بين الموجودات المحيطة بنا، فليس مثلها موجودا زمنيا. ومع ذلك فنحن نقول إنه «يحضر» في الزمان، يتحدد بكل ما يوجد فيه، يظهر بظهوره، ثم لا يلبث أن يحتجب ويخفي عنا سره.

عبثا نحاول أن نلقي الزمان بين الموجودات والأشياء التي تتزمن به وتنتهي فيه. فهو نفسه ليس موجودا ولا شيئا. إنه ينقضي باستمرار، ولكنه في انقضائه يختلف عن كل ما يوجد فيه، والبقاء عكس التلاشي، أي هو الحضور، والحضور هو أسلوب الوجود.

الوجود والزمان إذن يتحددان بالتبادل، ولكنهما يتحددان على نحو لا يسمح لنا أن نصف أحدهما - وهو الموجود - بأنه شيء زمني، ولا أن نتحدث عن الآخر - وهو الزمان - كما لو كان أحد الموجودات والأشياء.

ناپیژندل شوی مخ