158

شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

ژانرونه

وسر الزمن الثاني هو قدرته أن يتلقى السرمدية فيه. وما دام الإنسان بطبعه كائنا زمانيا، فإنه سيكون كذلك قادرا على المشاركة في الأبد والسرمد، بل ربما كان من واجبه أن يسعى إلى هذه المشاركة حتى يكون إنسانا بحق ... ولهذا يمكننا القول إن شوكة فنائنا هي خلودنا؛ لأن الشيء الفاني لن يؤلمه فناؤه، ولأن ما يمكنه أن يحيا فقط، سيمكنه أن يموت فقط. أما من يشعر أن كل شيء لا بد أن يفنى ذات يوم، فإن شعوره هذا يرفعه فوق ذاته وفوق الكل. كل شيء سينقضي ويزول أنا وأنت وكل ما يحيط بنا، ولكن فيك وفي شيئا يزيد عن الكل، ويختلف عنه، وإلا ما عرفنا عنه شيئا ...

ولكن بأي معنى نفهم قدرة الزمن على تلقي السرمدية ونفاذها فيه؟ بمعنى أننا بغير هذه القدرة لن نجد أرضا نقف عليها، وأننا ونحن نندفع في مجرى الزمان نفسه لن نجد الحاضر الحق، الحاضر الخالص الذي يهوي إلى وادي الماضي بمجرد وصوله من قمة جبل المستقبل.

إن الحاضر واقع نحياه دون أن ننتبه إليه - في لحظات سنتحدث عنها بعد قليل - ونحن نحياه في مجرى الزمن وفوق الزمن؛ لأن السرمدية تنفذ في الزمن، وتضفي عليه الحضور. كما أن الإنسان يمكنه، بل يجب عليه أن يستحضرها فيه. فالسرمدية حاضرة دائما، وهي سبب إحساسنا بالحاضر على الإطلاق. لولاها ما أمكننا أن نقول «الآن»، فهي التي ترفع الآن فوق مجرى الزمن العابر.

16

ونحن لا نقصد هذا بالمعنى الديني والصوفي وحده، بل نقصده بالمعنى الفلسفي والحياتي؛ إذ يكفي أن نستغرق في الصلاة لحظات لنحسه، يكفي أن نطالع ما يقوله الكتاب الكريم عن الدار الآخرة، وما يقوله الإنجيل الرابع عن الأبدية، وما يشكو به المزمور التسعون (بالغداة كعشب يزول، بالغداة يزهر فيزول، عند المساء يجز فييبس) من زوال بني آدم إذا قورنت حياتهم بأبدية الله.

يكفي هذا كله لنعرف السرمدية والأبدية، «فألف سنة عنده كيوم أمس» هي التي تعطي ل «الآن» معناها وواقعها اللانهائي،

وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون .

17

بهذا تصبح الفلسفة سعيا دائبا إلى الحضور الخالص، وقهرا مستمرا للزمان والزمانية. وإذا كان أفلاطون قد علمنا تعريفين أساسيين من تعريفات الفلسفة عندما قال في أحدهما إنها التأمل الدائم للموت، فمن حقنا أن نغير هذا التعريف (الذي لا ينطبق إلا على مرحلة فايدون وما قبلها) فنقول إن الفلسفة هي تأمل دائم للحضور الحي. وإذا كان قد قال في تعريفه الآخر - الذي تبعه فيه فلاسفة العصر الوسيط من مسلمين ومسيحيين - إن الفلسفة هي التشبه بالله بقدر الطاقة، فبإمكاننا أن نزيده وضوحا، فنقول: إن الفلسفة هي جهد دائب؛ لكي يتشبه الكائن الزماني بالكيان السرمدي.

لن نقف عند هذه المعاني كلها، بل سنتجاوزها إلى معنى يتصل بوجودنا اليوم كأبناء أمة تسعى إلى اكتشاف هويتها وتحديد مكانها بين الأمم. أمة يعرف المخلصون من أبنائها أنها مهددة بالانقراض والانهيار إن لم تع حاضرها، وتؤد واجب لحظتها، وتستوعب قيمة ماضيها وتنهض بأعبائها التي تفرضها عليها فلسفة جديدة حية للتاريخ، أي فلسفة للزمان الذي لا غنى عنه لفهم التاريخ.

ناپیژندل شوی مخ