يا سعدى أنا أكره دياب وذكره
كما تكره الخالة ولاد رجالها
وإذا كان هناك من تزوج أبوه غير أمه، كان الرمز والإيماء. وقد تنتهي السهرة إلى شجار، ولكن خارج بيت الوجيه أو الزعيم؛ لأن لبيته حرمة لا تنتهك.
وفي ليال أخر، قد يتسلون بحكايات أحبها إلى نفوسهم ما كانت حافلة بالغريب العجيب، كحكايات ألف ليلة وليلة. والحكواتي يمثل لهم الحكاية وحده، فهو يتقمص كل شخص ويحاكيه. وقد ينتقلون إلى الحزازير؛ وهي ألغاز وأحاج يعملون أفكارهم في حلها.
وقد يقومون بألعاب مضحكة مثل «زي عروستي»، و«اجعل مخزنك عبك»، وغيرها من المضحكات الساذجة المسلية حقا.
هذا في السهرات العادية، أما سهرات المناسبات الكبرى كالولادة والأعراس، فتعد من ليالي العمر. فإذا ولد لرجل مولود، حملوا إليه الهدايا من سكر، ورز، وبن وصابون، ودجاج. وأبو المولود يقوم بواجبهم، فيقدم لهم الخمور الجيدة، والعرق اللبناني المشهور، ثم يعد المآدب فيأكلون، ويشربون، ويسمرون، ويغنون داعين للمحروس بطول العمر.
أما في الأعراس فتظل الاجتماعات تعقد في بيت العريس أسبوعا بل أكثر، إذا كان الذي تزوج من أصحاب اليسار.
في تلك الساعة يشرب الناس ويغنون العتابا، والميجانا، والمعنى، والقرادي، والأغاني المختلفة. ويرقصون رجالا ونساء رقصة الدبكة على نقر الدفوف، وعزف المزمار، وقد ينتهي بهم السكر إلى المشاجرة، بل إلى سفك الدماء والقتل.
وللأعياد عندهم أهمية كبرى، فهي سوق مفاخر، وخصوصا عيد قديس الضيعة، حيث تستحيل القرية إلى مطعم عام، فكل واحد من القرويين يستعد لذلك اليوم، ويدخر له خير محصولاته ليقدمها إلى ضيوفه. فاللبناني القروي كريم مضياف، والقرية لا مطاعم ولا مقاهي فيها؛ ولذلك ترى القروي مستعدا دائما لاستقبال الضيف الطارق، وخصوصا يوم عيد القرية. ويرى كل واحد أنه من الغبن أن يقصر عن جاره، فتراهم يتنافسون في هذا، ثم يتفاخرون بعد ذلك بكثرة ضيوفهم، فمن كان أكثر ضيوفا يكبر في عين القرية. وعيد قديس الضيعة سوق عكاظ، بل يفوق سوق عكاظ بالشعر المرتجل الذي يتبارى فيه الشعراء المقبلون من كل ناحية لإحياء هذه الليلة، فيبنون شعرهم على وزن واحد وقافية واحدة، ويكون خطاب وجواب، يبدءون عادة بمجادلة بعضهم، وينتهون أخيرا إلى التهاجي الذي يسميه شعراء القرية قول جفا، وفي مثل هذا الموقف كثيرا ما تجري أقوالهم على أفواه الناس مجرى الأمثال، كقول أحدهم لمناظره:
لا البطيخ بيكسر سيخ
ناپیژندل شوی مخ