166

شیطان وعظ

الشيطان يعظ

ژانرونه

واشتركت في النادي، ورحت أتدرب على الكرة والسباحة، ولم أنقطع عن العلاج.

وبرعت في الكرة كما برعت في السباحة. تحسنت صحتي البدنية، واشتدت عضلاتي، وارتفعت روحي المعنوية في المباريات المحلية، وثمل رأسي بالهتاف والإعجاب. وانقطعت عن زيارة خالد جلال، وزايلتني نوبات الكآبة، وصرت ولدا سعيدا بكل معنى الكلمة. واستقبلت المرحلة الجديدة من التعليم بفؤاد جديد. ولما كنت قد أدمنت الثناء من خلال تفوقي الرياضي فقد أصررت على التفوق في الدراسة لأنعم بالإعجاب على المدى. وانتقلت من نصر إلى نصر، ومن بهجة إلى بهجة، وتناسيت مرضي، فلم يخطر لي ببال إلا في لحظات نادرة من لحظات الوحدة والفراغ، عند ذاك كان يخيل إلي أنه رابض في مكان ما، وأنه يتحين فرصة للانقضاض، ولكنها كانت لحظات نادرة جدا ومتباعدة جدا، وسحابة أو سحابتان لا يمكن أن تعكر صفو سماء صافية.

وفي أثناء دراستي بمدرسة التجارة اكتشفت زهيدة ابنة عمتي. أجل كنا نعيش في مسكن واحد، ولكنني نظرت إليها ذات يوم ونحن منفردان فخيل إلي أنني أكتشفها من جديد. لم أر من قبل ذلك تلك النظرة الساجية العذبة، ولا ذلك الجسد الناضج المتناسق، وتبادلنا نظرات جديدة تماما فتورد وجهها وارتبكت، وانبعث من أعماق شعور متوثب حار وبهيج وطموح إلى غير حد. ولد الحب في تلك اللحظة في مهده الذهبي فباركه الحياء والمكر الحسن والحلم المبدع، وسرعان ما أعلنت خطبتنا.

تخرجت في مدرسة التجارة، اشتغلت مساعدا لأبي في أسيوط، ثم حللت محله عقب وفاته في نهاية العام، ثم خضت تجربتي مع السوق والزواج في عام واحد، والحق لقد أحببت العمل كما أحببت الزواج، وأصررت كعادتي على النجاح، وحذرت نفسي دائما من الفراغ ومن تذكر الماضي، وأنجبت ذرية كثيرة فكنت كل عام أستقبل وليدا جديدا، وزخرت حياتي بالتجارة والحب والأبوة.

واندلعت نيران الحرب العظمى فانفتحت أمامي أبواب جديدة للأرباح الأسطورية. انهمكت في عمل لدرجة فاقت كل تقدير. وما لبثت أن أنشأت متجرا ضخما للصوف في القاهرة، وانتقلت أنا وأسرتي إلى العاصمة، ثم شيدت قصرا، ورسخت قدماي في دنيا الثراء والجاه، حتى انتخبت رئيسا للغرفة التجارية.

وجاءني ذات يوم خالد جلال للشراء، صار كهلا وقورا وما زال محافظا على بهاء طلعته. عرفته ولكنه لم يعرفني. صافحته وأنا أقول: سعادتك لا تذكرني!

وحكيت له تجربتي معه وهو يتابعني مبتسما، ثم سألني: وكيف حال الصحة؟

فقلت له بثقة: عال والحمد لله.

فقال لي بهدوء: الشفاء بيد المريض في أغلب الأحوال.

وجعلت نفسي في خدمته حتى غادر المحل راضيا شاكرا. ورغما عني تسللت إلي ذكريات قديمة استقبلتها بنفور، حتى خيل إلي لحظة عابرة أن عدوي القديم رابض غير بعيد. لم تكن إلا لحظة عابرة بالغة السخف، أما ما كان يضايقني كثيرا فحملة كاريكاتور الصحافة على أغنياء الحرب وتصويرهم لهم في صورة قطاع الطرق، يا لهم من أوغاد حسودين! وهل ينجح الإنسان إلا بالجهد والعرق؟!

ناپیژندل شوی مخ