ولكنه تسلم الرسالة منه في الخارج. ولا بأس من أن يتوكد منه بنفسه. ولكن الرجل لا يتذكر شيئا على الإطلاق. إنه يقرأ ويوزع ولا يتذكر. هل كان حلما مما يرى النائم؟ أم هل جاء دور عقله ليشك فيه! مرة وحيدة توهم أنه ابتاع صفيحة سمن، ثم سرعان ما كشف توهمه! وأرجعه إلى حلم رآه ونسيه في جملة مشاغله. ذاك وهم سرعان ما كشفه أما الرسالة فكأنما يشعر بمسها ويقرأ حروفها، كانت حقيقة لا شك فيها. وما اختفاؤها الغريب إلا نذير جديد. •••
وكان يغادر بيته ليؤدي صلاة العيد، فتح الباب فرأى شبحا. عرف وجه كريم البرجواني على الضوء الخافت المتسرب من ألق النجوم في ظلمة الفجر. تراجع خطوة ... أخرج مسدسه. شعر بألم حاد. أطلق الرصاص وهو يغوص في الغيبوبة.
ما عرف - بالإضافة إلى ما سبق - إنما جاء على لسان كريم البرجواني في التحقيق، قال ذهبت لأداء صلاة العيد في الزاوية، ولما مررت ببيت المرحوم سالم عبد التواب فتح الباب وظهر الرجل، أردت أن أحييه فإذا به يصوب نحوي مسدسه، خفت على حياتي، وبدفعة غير إرادية ركلته بسرعة فأصابت منه مقتلا على حين انطلقت رصاصة قتلت صبي الفران.
الشفق
كانت تعتريني في صباي فترات كآبة ثقيلة. أعزف عن الأهل، أعتزل في حجرة، أكره الطعام، وأحيانا أبكي، بلا سبب واضح على الإطلاق. عرضت على أكثر من طبيب، جربت عقاقير كثيرة، بلا نتيجة. وقال أحد الأصدقاء لوالدي: اعرضه على خالد جلال الطبيب النفسي.
وكنا نسمع عن الطب النفسي لأول مرة، فأعلن أبي عن ريبته فقال الصديق: إنه طب معترف به في جميع أنحاء العالم، ولكن مدة العلاج طويلة، ربما امتدت إلى عام أو أكثر، كما إن تكاليفه بالتالي باهظة! - وتفكر أبي طويلا ولكنه بإزاء مرض غامض عنيد قرر استشارة خالد جلال. ولما كان عمله كتاجر أصواف في أسيوط يمنعه من إقامة طويلة بالقاهرة ... فقد قال لي: ستقيم عند عمتك ليسهل عليك التردد على الطبيب، وعلى أي حال كان في نيتي أن أرسلك إليها لتواصل تعليمك.
وزرنا الطبيب. كان في ذلك الوقت شابا بهي الطلعة، دمث الأخلاق، جلي الاعتداد بنفسه وعلمه. وقد أصغى باهتمام بحضور أبي، ثم حدد لي يومين في الأسبوع لزيارته، وقال: المهم المثابرة والصبر، لست طفلا، والسعادة قيمة لا يجوز الاستهانة بها.
انضممت إلى أسرة عمتي عضوا جديدا بها. عضو لاقى ترحيبا حارا لثراء أبي وكرمه. ومضيت أتردد على الطبيب، وأحضر جلساته العجيبة. بدا لي العلاج في أول الأمر فضولا لا جدية فيه، ثم أخذت أضيق به وأتذمر في مرارة متواصلة، حتى قلت يوما لعمتي: لا أريد أن أذهب.
فقالت عمتي بقلق: والدك؟!
فقال زوج عمتي وكان موظفا بشركة الكهرباء: لا ذنب للعلاج ولكن حياتك مملة، لماذا لا تشارك في «الشعلة» نادي حينا الرياضي؟
ناپیژندل شوی مخ