1
مصرع عصمت البطراوي أشد الجرائم إثارة في زمن مضى. بادرت إلى فيلته بعمارة النيل في صحبة كبار رجال الأمن، استجابة لبلاغ ورد لنا من ابنه الشاب الجامعي أمين البطراوي. وجدنا السياسي العجوز منطرحا فوق مقعد كبير بحجرة الاستقبال والدم ما زال ينزف من رأسه وقد تحول إلى جثة هامدة.
هكذا انتهى الجبار الذي أدمن الكاريكاتور المصري تقديم شخصه - إبان عهده - في صورة سفاح ذي صلعة على هيئة بحيرة من الدم. لم يكن ثمة أثر لمقاومة، ولم يسمع الخدم حركة ولا صوتا، فقد قتل غدرا وهو سابح في هدوء الشيخوخة، وهذه أداة القتل ملقاة على حجره ملوثة بدمه، تمثال برنزي لرياضي إغريقي، وبالتدقيق في التنقيب عثرت على زرار فوق السجادة وراء المقعد مباشرة. زرار لبني ذي مركز ضارب للسواد. ولما كانت زراير بدلة الفقيد كاملة العدد فقد احتفظت بالزرار بعناية.
يبدو أن الجريمة ارتكبت في الساعة الحادية عشرة أو بعدها بقليل، وبالفيلا وقتذاك الطاهي والسفرجي ومدبرة البيت؛ إذ إن الرجل أرمل منذ سنوات. وقد تلفنوا بالخبر إلى أمين في النادي الذي أبلغنا من فوره. وكان من عادة الرجل أن يغادر مسكنه في التاسعة صباحا فيمضي ماشيا إلى كازينو الشاطئ، حيث يلبث ساعة ثم يرجع ماشيا أيضا. وهو يدخل المسكن بمفتاح خاص فلا يشعر به أحد غالبا، وهو ما حدث صباح اليوم. غير أنه قابل المدبرة في حجرة الجلوس وقال لها: «يبدو أن أمين ذهب إلى النادي»؟
فأجابت بالإيجاب فأمرها بإعداد فنجانين من القهوة وذهب. استنتجت المدبرة أنه رجع بصحبة ضيف، ودهشت لذلك؛ إذ إنه لم يحدث من قبل، وهو يمضي أمسياته في النادي مع القلة الباقية من أصدقائه القدامى المعروفين. وجميعهم قد جاوزوا السبعين أو شارفوا الثمانين. ولما ذهب السفرجي بالقهوة إلى حجرة الاستقبال رأى سيده قتيلا فصرخ معلنا الجريمة لأول مرة.
إذن قد ارتكبت الجريمة بسرعة نادرة وجرأة متهورة ثم تسلل القاتل خارجا. وبالبحث أيضا تبين أنه لم يسرق شيئا، لا من الرجل ولا من المسكن. وقال لي رئيسي همسا: القاتل من معارف الفقيد.
فوافقت من فوري فقال: طريقة القتل تقتضي قوة فلنستبعد الأصدقاء القدامى فضلا عن سخف التصور لأكثر من سبب.
فوافقت من فوري أيضا.
فاتجه نحو أمين البطراوي وسأله: من في تصورك يمكن أن يصطحب المرحوم إلى هنا؟ - لا أحد فيما أعتقد. - ألا يزور البيت أحد من خارجه؟ - أصدقاؤه القدامى في ظروف نادرة مثل المرض أو الولائم. عدا ذلك فهم يتلاقون في النادي مساء كل يوم تقريبا. - وغير أولئك، أليس لك أنت أصدقاء أيضا؟ - بلى، لي صديقان حميمان وزميلان في كلية الحقوق لكنهما لا يدخلان البيت إلا بصحبتي وفضلا عن ذلك، فنحن نتلاقى عادة في النادي.
تكلم بلهجة رافضة كل الرفض للشك فيهما، فسألته: هل يعرفهما المرحوم؟ - قدمتهما له بطبيعة الحال ورآهما أكثر من مرة معي هنا. - هلا حدثتني عن ميولهما السياسية؟ - جلال حمزة وطني لا لون حزبيا له، ولكنه رافض. - رافض؟ - أعني ينتقد كل شيء! - الآخر؟ - علي فؤاد ...
ناپیژندل شوی مخ