وأومأ بلحيته إلى شخصه وقال: ولأنعم بعاقبة الغفلة!
أيوب
1
إنه سجن بلا قضبان. وبلا ذنب أيضا. علي من الآن فصاعدا أن أحمل جسمي بعد أن حملني خمسين عاما. حيثيات الحكم تبلورت في مرثية طبيب الأسرة صبري حسونة إذ يقول: لا مجال للخداع، سيطول بك الرقاد، الكورتيزون فعال، ولكنه لا يخلق المعجزات، المسكنات والمهدئات فعالة أيضا في مقاومة النوبات، ولكن عليك أن تتزود من الصبر، لا تتصور أن حجرة نومك زنزانة. كلا لديك الراديو والتلفزيون والجرائد والمجلات، معك الهانم وآنسة نبيلة، ووفيق مشهود له بالكفاءة، أصدقاؤك كثيرون ولن يتخلوا عنك، المهم أن تسلم بالقضاء وأن تنحي عنك العناد والحسرة، والله معك.
لست أسير حجرة فحسب. الحقيقة أنني أسير الفراش. حتى الحمام أحمل إليه كطفل. أعاني الألم على فترات ولكني أتجرع العبودية طيلة الوقت. إني محتج لحد التمرد. أضرب كفا بكف. لا أدري متى أذعن للقضاء. الصدمة شديدة تدهم النفس بعنفها وقسوتها ولامبالاتها. لماذا؟ لماذا؟ أين الحياة الثرية الحافلة؟! أين تلال الأموال الطائلة؟ أين المكانة المرموقة؟ في الخزائن والذكريات ولا شيء معي. ويجيء الأطباء من الداخل والخارج. يجمعون على حكم لا استئناف له. يناقشون الأسباب وما تراءت لي إلا ضربة عابثة، ويبقى اليأس والمفاصل المتورمة، ويتفشى اليأس والأسى. ويل لعابر العواصم الكبرى من أغلال مستحكمة. •••
حول الفراش الوثير ذي المرآتين المتقابلتين تجلس أفكار ونبيلة ووفيق. في الأعين نظرة حزينة مواسية. بؤرة تستورد العطف بعد أن كانت تصدره. لا يفارق أحد منهم الحجرة ولكن حتى متى؟ إنه رقاد يبدو ألا نهاية له. والحياة هي الحياة لا أكثر ولا أقل. قلت متجاهلا انفعالاتي الجياشة: أمر ربنا، فلنواجه الأمر بشجاعة وبساطة.
فقالت أفكار: رأيي أن نسافر إلى الخارج.
فقلت بشجاعة لا أشعر بها: لم ينصح أحد بذلك، جئنا بأكبر أخصائي عالمي وأخذ الشيء الفلاني. - لا شك توجد في الخارج استعدادات لا تتوفر هنا.
فقلت باسما: المسألة أنك تؤمنين بالخارج.
وقالت نبيلة بصوت متهدج: قلبي معك يا بابا.
ناپیژندل شوی مخ