ولو قد قال أبو سفيان هذه المقالة أو دعا هذه الدعوة لعلم بها أبو بكر وعمر، كما علم بها الرواة، ولعرفا كيف يضعان أبا سفيان حيث وضعه الله.
وإنما هي قصة تكلفها المتقربون إلى بني العباس بالتشنيع على بني أمية، كما تكلفوا كثيرا من أمثالها.
ويزيد بعض الرواة في هذه القصة ما يقطع بكذبها، فيزعمون أن بعض من سمع أبا سفيان يقول هذه المقالة في أبي بكر قال له: إن أبا بكر قد ولى ابنك، هنالك رضي أبو سفيان وقال: وصلته رحم.
والواقع من أمر الخلافة أنها أطلقت ألسنة بعض الرواة المتعصبين للأحزاب السياسية بكذب كثير، وروى المؤرخون هذه الأكاذيب بأخرة من غير تحقيق ولا تمحيص، فاختلطت الأمور على الناس وذهبوا في فهمها وتأويلها واستخلاص الحق منها كل مذهب.
والذي أرجحه - وأوشك أن أقطع به - هو أن عليا والعباس كانا مشغولين بتجهيز النبي
صلى الله عليه وسلم
حين بويع لأبي بكر؛ فالرواة مجمعون على أن الأنصار لما عرفوا وفاة النبي بعد أن سمعوا مقالة أبي بكر وما تلا من القرآن ليبين للشاكين والمضطربين أن النبي قد قبض، وأن من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وأن القرآن قد أنبأ بأن النبي رجل يعرض له الموت كما يعرض لغيره من الناس.
أقول: إن الأنصار لما عرفوا وفاة النبي اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وتشاوروا بينهم، فتم رأيهم على أن يكون السلطان فيهم؛ لأنهم أهل المدينة، ولأن غيرهم من المهاجرين طارئون عليهم فيها، وليس منهم من يوحى إليه كما كان يوحى إلى النبي، فلا ينبغي أن يلوهم بعد وفاة النبي وانقطاع الوحي، وقدموا سعد بن عبادة من الخزرج ليبايعوه. وبلغ ذلك عمر؛ فأرسل إلى أبي بكر في بيت النبي: أن اخرج إلي، ولم يستجب إليه أبو بكر، بل قال لرسوله: قل له: إني مشتغل، فأعاد عمر الرسول إليه بأن أمرا قد حدث ولا بد من أن يحضره.
فخرج إليه أبو بكر، فلما عرف منه ما أزمع الأنصار ذهب معه إليهم، ولقيا في طريقهما أبا عبيدة بن الجراح، فانطلق معهما، وأتى ثلاثتهم الأنصار وقد هموا ببيعة سعد؛ فحاوروهم، وحاجوهم في هذا الأمر، وأقنعهم أبو بكر بأن المهاجرين من قريش هم أولى بالنبي وبسلطانه من بعده؛ لأنهم عشيرته وذوو قرابته.
ثم بايع عمر وأبو عبيدة لأبي بكر، وأقبل الأنصار فبايعوه بعد أن ذكرهم رجل منهم - هو بشير بن سعد - بأنهم لم يؤووا النبي ولم ينصروه ابتغاء للدنيا، وإنما آووا ونصروا ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
ناپیژندل شوی مخ