الأربعاء 11 شوال/26 يوليو
أين عكاظ؟
لعكاظ صيت ذائع في أدب العرب وأخبارها، وقد ذكرته كتب البلدان وبينت معالمه على اختلافها في البيان والإبهام، والإيجاز والإسهاب.
وحرص المعاصرون من الأدباء والمؤرخين على تبيين مكان عكاظ، فقال بعضهم ظنا دون تثبت، وقال بعضهم حزرا دون تبين. قيل: إنه المكان الذي يسمى اليوم السيل الكبير، وقيل: بل هو السيل الصغير، وكلاهما في الطريق من مكة إلى الطائف، الأول دون جبال الطائف والثاني فوقها.
وقد ذهبت أمس إلى موضع قيل إنه هو عكاظ، وكان معي الشيخ محمد بن بليهد فقمنا على حرة هناك، وسردنا أقوال المؤرخين، وأصحاب التقويم، وقرأنا أرجوزة الرداعي اليماني التي ذكر فيها طريق الحج من صنعاء فتوفرت الأدلة، واجتمعت البينات على أن هذا المكان هو عكاظ الذي وصف في كتب التقويم والتاريخ، ورجعنا موقنين أنا رأينا عكاظ بلا ريب. قلت: ليت شعري! علام عول الذين زعموا عكاظ مكانا آخر؟ وقلت: إن كثيرا من الاختلاف بين الناس يرجع إلى التسرع إلى النتائج قبل استيفاء المقدمات، والسكون إلى الظن، والاستراحة إلى الحزر. ولو تثبت الناس قبل الدعوى وراثوا في تتبع الأدلة، وصبروا حتى يتضح البرهان ما وقع بينهم الاختلاف في كثير مما اختلفوا فيه، ولكنه الظن المفرق والوهم المضل، وصدق الله العظيم:
إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
الخميس 12 شوال/27 يوليو
السيل في الحرم
الذين يذهبون إلى مكة فيجوسون خلال دورها، ويجوزون شوارعها ودروبها تحجبهم الأبنية عن رؤية البلد على طبيعته بين جباله وأوديته، بل يسعى الحجاج جميعا بين الصفا والمروة وكثير منهم لا يرى الصفا؛ لأن الأبنية على سفحه تحجبه عن الأبصار! ولا يدرك زائر مكة خططها حتى يصعد على أحد جبالها فيرى كيف تقسمها الجبال والأودية، وكيف تمتد الشوارع بينها وكيف تصعد البيوت على السفوح في جهات وتعلو الجبال في جهات.
وقل من يدرك أن البيت الحرام في سرة واد يسيل حينا بعد حين، وأنه من أجل هذا رفعت أبواب المسجد الحرام فيصعد إليها الداخل درجات ويهبط عنها إلى المسجد درجات أكثر. لا يعرف هذا إلا مدقق في تقويم البلد وتاريخه، وإلا من شهد السيل جارفا يأتي من جهة منى حتى يمر في شارع القشاشية ويجتاز المسعى ويمر بجدران الحرم وينطلق في مجراه إلى المسفلة. رأيت مرة ماء ضحضاحا جاريا لبثت أرقبه وأنا على باب التكية المصرية، وذهبت إلى مكة عقب سيل عظيم علا حتى دخل إلى التكية وبينها وبين الشارع ست درجات، ودخل الحرم ولم تصده حواجز الخشب التي توضع على الأبواب، مر السيل فحطمها وانهمر فملأ المسجد وارتفع إلى الحجر الأسود. وحدثت أن الطواف لم ينقطع، بل اغتنم الطائفون الفرصة ليطوفوا حول البيت سابحين. ومن قبل قرأنا أن العوام أبا الزبير طاف بالبيت عائما فلقب العوام.
ناپیژندل شوی مخ