وكثير من الناس في قهر العادات أو العقائد يتكلفون ما لا يطيقون، ويبذلون ما لا يملكون، كالولد الذي يلقى في بيئة فاسدة من قسوة أهله وحملهم إياه على ما يكره، وحملهم ما يكره عليه، والخادم في بيئة مستبدة يحمل من تسلط سيده وبطشه ما لا قبل له به، والذي يقترض المال ويلتمسه بكل وسيلة ليبذله في عرس أو مأتم.
فعلى مرشدي الأمم ومشرعيها أن ينظروا إلى ما تحت أثقال العادات والسنن السيئة من بائسين منكودين، وإلى ما وراء الرضا الكاذب الذي يشبه رضا الموتى من قتلى وجرحى، ويرحموا الناس من قسوة السنن والعادات، كما يرحمونهم من كلب الفقر والمرض، وكما يرحمونهم من قوي لا يرحم وسفاك لا يشفق ومجرم لا يبالي.
كم ذهب مع الأيام ممن لقوا عنت العقائد الفاسدة والسنن الباطلة في أنفسهم وأبدانهم وأموالهم! وكم في الناس اليوم من رازح تحت هذه الأثقال الباهظة، ولو عقل لرحم نفسه، ولو عقل الناس لرحموه!
الجمعة 7 صفر/17 نوفمبر
العقول محجوبة بالأهواء
ثار خلاف بين دولتين إسلاميتين: باكستان وأفغانستان، ولا أسمي المعتدي والمعتدى عليه، فليس هذا من قصدي في هذه الكلمة.
لقيت ناسا من هذه الدولة وناسا من تلك؛ فكل يدعي أن جماعته على حق وأنهم يرعون الأخوة الإسلامية والجوار، ولا يبغون إلا الخير، ولا يحبون أن يزيدوا شواغل إخوانهم ويكثروا معضلاتهم بهذا النزاع، وأنه رغم الأنف أن ثار هذا النزاع ورغم الأنف أن يدوم. وبعض هؤلاء مجادل متعصب تغلب عصبيته عليه غلبا بينا، وبعضهم يوحي إلى سامعه أنه مؤمن بما يقول، مخلص فيما يدعي.
قلت: العقول محجوبة بالأهواء والمطامع والعصبيات، لا يسلم منها إلا من هدى الله وعصم. وبعض هذه الآفات تختفي وتستتر في غيابات النفس حتى تخفى على صاحبها فيحسب نفسه مخلصا للحق، مؤثرا للصدق، ساعيا للخير ليس له فيما يقول مطمع ولا هوى. وهو في الحق منقاد لمطمع خفي أو مغلوب بهوى باطن. ولولا الأهواء ما اختلفت العقول هذا الاختلاف، ولما كان اختلافها باختلاف الجماعة، كل عاقل في هذه الجماعة يرى رأي العقلاء فيها، وكل عاقل في الجماعة الأخرى يرى رأي عقلائها. لو كان الأمر للعقل والحق لرأيت عقلاء من فريق ينصرون عقلاء من فريق آخر، ولكان الاختلاف في كل فريق، وما انحاز فريق كله إلى دعوى، وانحاز الفريق الآخر كله إلى دعوى، فإن الحق لا يتبع الحدود الجغرافية والجنسية. إنه الهوى الخفي، وهو أشد مراسا وأعظم ضررا من الهوى الظاهر. صاحب الهوى الظاهر مظنة أن يرجع إلى نفسه فيثوب إلى الحق ويؤثر العدل، وصاحب الهوى الباطن كالمريض الذي لا يعلم أنه مريض. وكما يحتاج الداء الخفي إلى طبيب يلتمسه في الجسم كله ويتقصى علاماته وأعراضه حتى يتبينه، كذلك صاحب الهوى الخفي يحتاج إلى من يتلطف له حتى يكشف عن دائه. ولكن المريض يسعى لمعرفة الداء فهو عون للطبيب، وصاحب الهوى يجادل عن هواه فهو عون للهوى على الناصح!
السبت 8 صفر/18 نوفمبر
ما وراء هذا الإسراع
ناپیژندل شوی مخ