127

رأينا وسمعنا في المعاصرين، وقرأنا عن الغابرين، فإذا أمم تطيش عند الشدة، وتختلف حين المحنة؛ إذا كربتهم الخطوب، وأزمتهم الشدائد اختلفوا واتهم بعضهم بعضا، ولعن بعضهم بعضا، وتنافروا وتخاذلوا وتقطعت بينهم الأسباب، وصار ضعفهم في الحادثات قوة في تعاديهم وتفانيهم، وانقلب جبنهم عن العدو بأسا شديدا بينهم. تذكر ما أصاب الأمم المغلوبة في الحرب الأخيرة، وتعلم أن زلزلت إحداها فطاشت فثارت على قادتها وانتقمت من نفسها. وليس القارئ في حاجة إلى أن أذكر أمة باسمها، وأعرف أمة قتلت ملوكها أو خذلتهم حين نزل العدو بساحتها وغلبها على أمرها، وقع هذا في التاريخ القديم والوسط والحديث.

والأمم القوية تزيدها الشدائد تآلفا، والكوارث تماسكا، فيقوى تعاونها على قدر ما ينزل بها من المحن، وتلقى كل حادثة بكفايتها من الصبر والائتلاف والتعاون حتى تنجلي الغمرة وتزول الشدة وهي مجتمعة القلوب والألسن والأيدي، غالبة أو مغلوبة. إن غلبت اعترفت كل طائفة لأختها بغنائها وفضلها واستأنفت الأمة تاريخها مرزأة مجرحة ولكنها قوية الأنفس، عظيمة الآمال. وإن هزمت صبرت للمصيبة واتعظت بها، وعلمت أنها لم تؤت من تقصير أو تفريط، ولكن أدت واجبها ولم يواتها جدها، وقد غلب حاضرها ولن يغلب مستقبلها. اذكروا الحرب الأخيرة كذلك تجدوا برهان هذه الدعوى.

السبت 11 ذي الحجة/23 سبتمبر

المال واختلاف الهمم (1)

في الناس من لا همة له؛ إنما همه طعامه وشرابه والمال والمتاع، وكل أمر في سبيل هذه أمم، وكل خطب يسير. ليس لديه في وسائل هذه المطالب حلال وحرام ولا عزيز وذليل. (2)

وفي الناس من له همة ترفعه عن هذه المنزلة البهيمية، فيلتمس المال حلا، ويأبى الوسائل الدنيئة. ولكن المال والمتاع غاية قصده، ومنتهى جهده، يجد ليله ونهاره لجمع المال، ويؤرقه أن يفوته اليسير منها، ويكدر عليه عيشه أن تضطره الأحداث إلى الإنفاق مما جمع أو تغلبه على بعض ما ادخر. (3)

ومن الناس من يجمع المال حلا لا يسف لمطمع ولا يذل لمطلب، وينفق مما جمع غير مبال إلا أن ينال به المكارم، ويتمثل بقول القائل:

فهن إذا جمعتهن دراهم

وهن إذا فرقتهن مكارم

ولكنه يكد لجمع المال ويفرح به، ويجد في كسبه، ويستزيد منه، ويحدث نفسه بما جمع وما أعطى، وما نال وما أنفق، ونعم الرجل هو! (4)

ناپیژندل شوی مخ