نسمع بين الفينة والفينة عن حفل خيري ينظم، ويدعى إليه ويبالغ في الحديث عنه والنشر، وتشويق الناس إليه. حفل خيري يدعو إليه جماعة من الساعين في الخير لجمع المال لمدرسة أو مستشفى أو دار أيتام، وما إلى هذه من دور البر، ومهابط الرحمة، ومعالم الخير.
والذين يرتبون الحفلات الخيرية ويدعون إليها وينصبون من أجلها، مشكورون يقدر الله والناس حسن نيتهم، وجمال مقصدهم. ولكن هؤلاء الدعاة يعرفون أخلاق الناس في عصرنا ويقدرون مروءتهم وأريحيتهم، ويعلمون كيف يسخون في اللهو ويضنون في الجد، ويجودون في الشر، ويشحون في الخير، فيتوسلون إليهم بما يستخرج المال من نفوس شحيحة وأيد ضنينة؛ يجعلون الحفل مرقصا أو مشتملا على رقص، ويعنون بدعوة المتبرجات من أعلام الحفلات، والمبرزات في الزينات، ويحتلفون في هذا وذاك جهدهم. ويستعينون على الشح والبخل واللؤم بنساء يبعن للحضور زهورا أو أشياء أخرى بأكثر من قيمتها. هذه كلها رقى لإخراج المال في سبيل البر من النفوس الشحيحة، وإنباط الخير لأجل الصدقات من القلوب المتحجرة، ورد البخلاء بالحيلة أسخياء، واللؤماء بكل وسيلة كرماء.
فانظر كيف يستجيب الناس للشهوة أكثر مما يستجيبون للواجب والمروءة؟! وكيف تسيطر الشهوات وتضعف المروءات؟! وكان الظن بالإنسان أن يكون أريحيا في احتمال المغارم، ويكون كما قال الشاعر:
ذريني أطوف في البلاد لعلني
أصيب غنى فيه لذي الحق محمل
أليس عظيما أن تلم ملمة
وليس علينا في الحقوق معول؟
الثلاثاء 29 ذي القعدة/12 سبتمبر
مسجد من الروث، وروث مفضض
حدثنا الشاعر الكبير محمد عاكف رحمه الله أن أحد أدباء الترك - وقد شككت في اسمه - قال: إن هؤلاء الصوفية الذين يكنون عن معانيهم بالخمر والكأس والساقي والسكر وما يتصل بها، كمن يبني مسجدا من الروث، يعني أنهم يذكرون الأشياء الحسية الحقيرة ويريدون الأمور المعنوية العظيمة. ويكنون بالمحرمات من الشهوات عن الروحي من النزعات، كمن يبني مسجدا للصلاة، وهو مقصد جليل ومعنى جميل ولكن يجعل جدرانه من الروث، ويقيم دنس الصورة على طهارة المعنى.
ناپیژندل شوی مخ