وذهب كثير من مشايخنا إلى أنه لا يجب على الصبي شيء قبل البلوغ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم» (2) الحديث. وحمله الشيخ أبو منصور على الشرائع. ولا خلاف بين أصحابنا في صحة إيمان الصبي العاقل (3) احتجت المعتزلة على أن الإيمان حسن عقلا بوجوه، وأنا أورد ها هنا وجهين اختصارا:
أحدهما: أن شكر الله واجب عقلا، ودفع الخوف عن نفسه واجب كذلك، وشكر المنعم ودفع الخوف العقليين متوقفان على معرفة الله تعالى فتكون معرفة الله واجبة بالعقل.
والثاني: لو ثبت الحسن والقبح شرعا لزم انتفاؤهما مطلقا، لأنهما لو ثبتا بالشرع لم يحكم العقل بقبح الكذب، فجاز وقوعه من الشارع، فإذا حكم الشرع بقبح شيء لم يجزم بقبحه لجواز صدور الكذب حينئذ من الشارع، فلم يثبت الحسن والقبح أصلا.
وقالت الأشاعرة: الحسن والقبيح يطلقان على أمور: منها ما يكون صفة كمال أو صفة نقص، يمدح بها أو يذم. ومنها ما يكون ملائما للطبع أو منافرا له. ومنها ما يتعلق به في الآجل ثواب أو عقاب.
فإن كان المراد بالحسن ما يكون صفة كمال، وبالقبيح ما يكون صفة نقص، أو كان المراد بالحسن ما يكون ملائما للطبع، وبالقبيح ما يكون منافرا له، فلا خلاف في كونهما عقليين.
وإن كان المراد بالحسن والقبيح ما يثاب به في الآجل أو يعاقب عليه، فالعقل لا مجال له في إدراك ذلك، لقوله تعالى: ?وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا? [الإسراء: 15]، نفى التعذيب إلا ببعثة الرسل، فلو كان الفعل قبيحا بالعقل لزم وقوع التعذيب وإن لم يوجد الرسل.
ولأن شكر المنعم لو وجب لوجب لفائدة، وإلا لكان عبثا وهو قبيح. والفائدة إما أن تعود إلى الرب وهو منزه عنها، أو إلى العبد، إما في الدنيا أو في العقبى، والأول ممنوع لأنه إتعاب النفس بلا فائدة، وكذا الثاني لأنه لا مجال للعقل في درك أحوال الآجل، وكذا دفع الخوف عن نفسه.
مخ ۴۰