** سؤال حول اختلاف الغائب عن الشاهد
فإن قيل : ما أنكرتم أن صحة الفعل المحكم في الشاهد إنما دل على كون فاعله عالما لمطابقة المواضعة والعادة السابقة ، وهذا غير ثابت في حق الله تعالى لأن أفعاله تجري مجرى الابتداء ، إذ لا مواضعة بيننا وبينه ولا عادة؟ قلنا : هذا لا يصح ، لأنا قد ذكرنا أن صحة الفعل المحكم إنما يدل على كون فاعله عالما من حيث صح على أحدهما وتعذر على الآخر حتى لو صح الفعل الحكم من جميع القادرين لم يدل على كونهم عالمين. ألا ترى أن الكتابة الكثيرة كالكتابة اليسيرة في باب الإحكام. ثم إنه لم يدل على كون فاعلها عالما ، لما لم يتعذر على سائر القادرين ودلت الكتابة الكثيرة على ذلك ، لما صحت من أحدهم وتعذرت على الباحثين ، على أن مشايخنا بينوا أن في أفعال القديم تعالى ما يجري الحال فيه على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة ، فأشبه الكتابة المحكمة. ألا ترى أنه تعالى أجرى العادة بأن لا يخلق هذه الحيوانات إلا من أجناسها ، حتى لا يخلق الجماد إلا من الجماد ، والبقر إلا من البقر ، والغنم إلا من الغنم ، وكذلك هذه الثمار لا تخلق إلا من أشجار مخصوصة بحيث لا يختلف الحال فيها ، وكذلك فلا تخلق هذه الشهوات المخصوصة إلا في الحيوانات المخصوصة ، وصار الحال في ذلك كالحال في المؤذن ، إذا أذن في أوقات مخصوصة ، لصلوات مخصوصة ، فكما أنه يدل على كونه عالما بأوقات الصلاة ، كذلك في مسألتنا.
فإن قيل : لو كان الفعل المحكم يدل على كون فاعله عالما ، لوجب فيما ليس بمحكم من الأفعال أن يدل على كونه ليس بعالم ، ومعلوم أن في أفعال القديم ما لا يظهر فيه الإحكام والاتساق ككثير من الصور القبيحة الناقصة؟ قلنا : إن ما ليس بمحكم من الأفعال قد يوجد من العالم ، كما قد يوجد ممن ليس بعالم ، فلا يصح ما ذكرتموه ، وليس يجب إذا وجد في أفعال القديم ما لا يظهر فيه الإحكام والاتساق أن يدل على أنه ليس بعالم ، وإنما يدل على كونه قادرا فقط.
** الغرض من خلق الصور القبيحة
فإن قيل : إذا كان الله تعالى قادرا على أن يخلق هذه الصور في غاية الحسن والتمام ، فما الوجه في خلقها ناقصة قبيحة؟ قلنا : الغرض حكمي.
فإن قيل : وما ذلك الغرض؟ قلنا : ليكون لطفا لنا في أداء الواجبات. يبين ذلك ويوضحه ، إن الله تعالى إذا خلقنا وأنعم علينا بضروب النعم وكلفنا الشكر عليها ، فلا
مخ ۱۰۲