Sharh Thalathat al-Usul by Khalid al-Muslih
شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح
ژانرونه
فرضية الهجرة وشروطها
قال ﵀: [وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرك إلى بلد الإسلام] فأفادنا ﵀ أن الهجرة واجبة على أهل الإسلام من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، واعلم أن الهجرة منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فالهجرة الواجبة هي في حق من لم يستطع أن يقوم بشعائر الدين، أعني: المسلم الذي في بلاد الكفر ولم يتمكن من إظهار دينه، فإنه يجب عليه أن يهاجر إن استطاع، ففهمنا أن الهجرة الواجبة لها شرطان: الشرط الأول: عدم التمكن من إظهار شعائر الدين التي لا يقوم الدين إلاّ بها.
الشرط الثاني: أن يكون مستطيعًا وهذا سيتبين من الآية، وهو الدليل الذي ساقه المؤلف ﵀.
أما الهجرة المستحبة فهي الهجرة من المكان الذي ينقص فيه دين الإنسان، مع أنه يتمكن من إظهار الدين وإقامة شعائره الأساسية، فالهجرة عن مثل هذا المكان حكمها الاستحباب، سواءٌ أكانت دار كفرٍ، أم كانت دار فسق، هذا من حيث الأصل في تقسيم الهجرة، أي: من حيث كونها واجبةً أو مستحبة.
قال ﵀: [وهي باقية] الإشارة إلى الهجرة، يعني أنها باقية إلى أن تقوم الساعة، وذلك لما سيذكره من الدليل في قَوْلُهُ ﷺ: (لا تَنْقَطِعُ الهجرة حتى تنقطع التوبة)، وهذا يفيد استمرار الهجرة.
استدل ﵀ على وجوب الهجرة فقال: [وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ أي: ظلموا أنفسهم بالبقاء بين ظهراني المشركين، مع إمكان الهجرة وتعذر إقامة الدين بين المشركين.
﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، فإذا كانوا مستضعفين في الأرض فإن هذا يفيدنا أنهم لا يتمكنون من إظهار شعائر الدين ﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ هذا جواب الملائكة على اعتذارهم في أنهم مستضعفون، قال تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾، هذا حكم الله فيهم، (مأواهم) أي: مصيرهم ومآلهم (جهنم وساءت مصيرًا)، نعوذ بالله منها.
ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ ثم بين من هم، وهذا فيه الدليل على الشرط الثاني، وهو القدرة على الهجرة: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾ فهم لا يستطيعون التخلص من هذا الاستضعاف الذي هم فيه، ولا سبيل لهم إلى الوصول إلى المسلمين، إما لضعفهم، أو إكراههم على الإقامة بين المشركين، أو غير ذلك مما يحقق الوصف فيهم أنهم لا يستطيعون حيلة يتخلصون بها من تسلط الكفار، ولا يهتدون سبيلًا يصلون به إلى المسلمين.
ثم قال تعالى في الحكم على هؤلاء: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾، وهذا وعد من الله ﷿ بالعفو عن هؤلاء لعذرهم بعدم الاستطاعة، ثم قال: [وقوله -يعني في الدليل على وجوب الهجرة: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت:٥٦]] .
أمر الله ﷿ هنا بالهجرة إذا تعذرت إقامة العبادة في مكانٍ فيهاجر إلى أرض الله الواسعة ليحقق العبادة.
قال البغوي ﵀: (سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان)، وفهمنا من هذا أن ترك الهجرة مع القدرة عليها ليس بكفر، إنما هو من المعاصي، فقوله: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ هذه عقوبة، وليست جهنم التي يخلد فيها أهلها.
8 / 4