188

ذلك، فإن أمر الله كله عجب! وذلك لما قلنا انه يمتنع أن يكون للأشياء بالنسبة إليه تقدم أو تأخر أو سبق أو لحوق والا لما استوى نسبته إلى كل شيء بل إنما ذلك بالنظر إلى أنفسها؛ فتبصر.

وأما ما ورد في الآيات من قوله: خلقكم من نفس [1] وهو الذي خلق من الماء بشرا [2] إلى غير ذلك فان ذلك بالنسبة إلى أمره والمدبر بإذنه وسيأتي إن شاء الله حقيقة ذلك الانتساب.

[معنى انه تعالى عالم ووجه إحاطته بالأشياء علما]

فكل [3] عالم فمن بعد جهل تعلم، والله تعالى لم يجهل ولم يتعلم.

احاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما. علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بعد تكوينها

قد علمت ان علمه تعالى ليس على ان له هذه الصفة عينا كان أو زائدة لازمة؛ إذ الموصوف من حيث انه موصوف غير الصفة وكل عالم غيره سبحانه، فإنه لا محالة موصوف بالعلم، وصفته غيره من حيث هو موصوف، فهو في مرتبة ذاته جاهل، إذ الجهل ليس الا عدم العلم وقد قلنا ان الصفة من حيث هي صفة تمتنع أن تكون في مرتبة الموصوف ففي تلك المرتبة ثبت الجهل؛ هذا حال العالم الذي يلزمه صفة العلم لذاته كالعقول. وهذا معنى قول أرسطاطاليس في أثولوجيا: «انه لما ابتدعت الهوية الأولى من الواحد الحق وقفت وألقت بصرها على الواحد لتراه [4] فصارت حينئذ [5] عقلا» [6] - انتهى.

مخ ۲۰۳