وهذا المذهب الذي عول عليه المصنف، كالبدر، هو قول كثير من أهل التحقيق، وقد تقدم أن بعضا جعله مقتضيا للفور، وقال بعض أنه مقتض للتراخي، وأزيدك ههنا أقوالا أخر، (أحدهما): أنه يقتضي المرة، إذ بها يعد ممتثلا، (قلنا) إنما عد ممتثلا لفعله، ما أمر به، لا لاقتصاره على المرة الواحدة، (وثانيها) أنه يقتضي التكرار لأمور، أحدها: أن حمله على التكرار أحوط، (قلنا) الكلام فيما هو مدلول الأمر عند تجرده، لا في حمله على الأحوطية وغيرها، (وثانيها) أن الأوامر التي تعلقت بالصوم والصلاة والزكاة ونحوها، المراد بها التكرار فيلزم في كل أمر (قلنا) لا نسلم التكرار الوارد فيها مأخوذ من نفس الأمر، وإنما هو مأخوذ من أدلة أخر، ولو سلمنا أنه مستفاد من نفس الأمر، لقلنا هو معارض بالأمر بالحج، فإنه لا يجب إلا مرة واحدة، (وثالثها) أن سراقة سأل النبي (ص) عن الحج، أهو واجب في كل عام، ولو لم يكن الأمر للتكرار، لما التبس على سراقة ذلك، وهو عربي اللسان، (قلنا) التبس عليه ذلك لما رأى كثيرا من العبادات متكررا بأدلة وقررائن كالصلاة والصيام، فاشتبه عليه ذلك في الحج حتى سأل عنه، ولو كان الأمر يقتضي التكرار، لما سأل عنه سراقة، لكونه عربي اللسان، (ورابعها) أنه لااختصاص للأمر في إيقاعه بزمن دون زمن، فوجب إيقاعه في جميع الوقت، فحصل التكرار، (قلنا) إن الأمر وضع لطلب إيقاع الفعل من دون نظر إلى صفة من تكرار وغيره، كما قدمنا، والزمان من صفاته، فلا دلالة عليه، إذ الموصوف لا يدل على الصفة، سلمنا، فإنه وضع لطلب فعل في وقت يتسع له، فمتى فعل ذلك، عد ممتثلا لا محالة، سواء قدمه أو أخره، (وخامسها) أنه: لو لم يفد التكرار، لم يصح النسخ عليه، ولا استثناء وقت، (قلنا) إنما يصحان على ما قامت دلالة على وجوب تكريره لا غير، فلا يلزم ما ذكرتم، (وسادسها) أن الأمر نقيض النهي، والنهي يقتضي التكرار، فكذلك في نقيضه (قلنا) إنما اقتضى النهي التكرار لدليل
آخر، هو أن المطلوب من النهي، ترك الفعل، فلو لم يقتضي النهي تكرار الترك، لفات المطلوب، وهو الامتثال، إذ لا يحصل بدون التكرار، والأمر ليس كذلك، (القول الثالث) الوقف على كون الأمر يقتضي المرة، أو التكرار؛ لأنه لو ثبت للمرة أو التكرار، لثبت بدليل، ولا دليل يقتضي واحدا منهما، فوجب الوقف، (قلنا) قد قامت الدلالة بأنه إنما وضع لطلب الحقيقة المجردة عن الاتصاف بالمرة أو التكرار، وإنما يثبت كل واحد منهما بدليل آخر، فوجب عند عدم الدليل الدال على أحدهما، حمل الأمر على ما وضع له، فانتفى التوقف والله أعلم.
ولما فرغ من بيان ما يدل عليه الأمر صريحا، وما لا يدل، أخذ في بيان ما يدل عليه التزاما وما لا يدل، فقال:
مخ ۵۲