أصول الفقه من حيث المعنى الإضافي مركب من كلمتين أصول والثانية الفقه، فأما الأصول فهو جمع أصل، وهو في اللغة ما يبتني عليه غيره وأصله في المحسوسات، كأصل الجدار بمعنى أساسه، وأصل الشجرة أي جدارها، ثم نقل في الاصطلاح إلى الأدلة التي تبنى عليها الأحكام، كما يقال أن الأصل في كذا قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم كذا، ويطلق الأصل أيضا على أصل القياس كما تقول أصل وفرع، وعلى مذهب العالم في بعض القواعد فإنهم يقولون أن فلانا بنى على أصله في مسألة كذا، أي على مذهبه فيها، وعلى ما يكون أصلا من أصول الشريعة، كالصلاة والزكاة فإنه يسمى أصلا في الاصطلاح، وكل هذه المعاني مشبهة بالمعنى اللغوي، (وأما الفقه) فهو في اللغة فهم الخطاب الذي فيه غموض، تقول فقهت معنى قولك زيد بليغ ولا تقول فقهت معنى قولك زيد بن عمرو، وذلك أن في الاتصاف بالبلاغة شروطا خفيفة، فصح أن يقال معها فقهت ذلك، ثم نقل من هذا المعنى واستعملوه علما على نوع مخصوص من العلم وعرفوا ذلك النوع بأنه علم النفس ما لها وما عليها فعلا وتركا فالمراد بالعلم هاهنا الملكة من ممارسة القواعد حتى صار المتصف بها متمكنا من معرفة ما للعبد وما عليه فعلا وتركا مستحضر الحكمة في الحال أو غافلا عنه، لكن إذا وردت عليه من ذلك الباب مسألة تمكن الجواب عنها، وصاحب هذه الصفة يسمى فقيها فيخرج بذلك من يعرف الأحكام بالتلقين ومن كان مقلدا لغيره، والمراد بقوله مالها هو ما أبيح ما أبيح لها فعلا، أو ندبت إلى فعله أو إلى تركه، والمراد بقوله ما عليها فعلا وتركا هو ما يلزمها فعله من نحو الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج إلى غير ذلك من الأفعال الواجبة وما يلزمها من تركه، من نحو أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر إلى غير ذلك مما يجب على العبد تركه وحاصله، إن الفقه هو العلم بأحكام فعل العبد عملا وتركا وإباحة ووجوبا، فيخرج العلم بالأحكام العلمية، كمسائل التوحيد، وهو علم يبحث فيه عن صفات الله تعالى الواجبة والجائزة في حقه والمستحيلة عليه، وعن أفعاله تعالى في الدنيا، كخلق العالم وفنائه وفي الآخرة كبعث الأجسام وتأبيد المكلف فيها، وعن حكمه فيها، كبعث الرسل وإنزال الكتب ومثوبة الطائع وعقوبة العاصي، ويخرج عنه أيضا العلم بالأخلاق، وهو علم يبحث فيه عن صفات العبد المحمود منها، كالإخلاص، والمذموم كالرياء، (فقول المصنف قد خرجا عنه بذا التقييد) أي علم التوحيد وعلم الأخلاق خرجا عن حد الفقه، حيث كان علما بحكم فعل العبد، وهذان العلمان كل منهما علم بغير حكم فعله، أما التوحيد فعلم بما ذكر من صفات الله تعالى وأفعاله، وقد كلفنا بعلم ما قامت به الحجة علينا من ذلك، فهو علم بحكم اعتقادنا، وأما العلم بالأخلاق فهو علم بما ذكر من صفات العبد، وقد أمرنا بالتحلي بالمحمود منها وبالتخلي عن المذموم منها، فهو علم بحكم صفات في العبد هي غير فعله، أما ما ترى من العلامات الظاهرة على المرائي والمتكبر والمعجب بنفسه، فهي ثمرات الصفات التي يبحث عنها علم الأخلاق لا نفس الصفات، والعلم بحكم هذه الثمرات داخل في الفقه، لأنهما أفعال، وهذا التعريف الذي ذكره المصنف مأخوذ من تعريف بعضهم الفقه بأنه معرفة النفس ما لها وما عليها عملا، وعرف غيره الفقه بأنه العلم الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، وعرفه بعضهم بغير ذلك، وقد أوردت على تعاريفهم هذه إيرادات وأجيب عنها بأجوبة نعرض عن ذكرها اختصارا والله أعلم، ثم إنه لما ذكر أصول الفقه باعتباريه العلمي والإضافي شرع في بيان موضوع أصول الفقه فقال:
وبحثه حيث الدليل أثبتا ... حكما وحيث الحكم منه ثبتا.
مخ ۲۳