[بيان قبح تقليد الأكابر]
فإن قيل بتقليد الأكابر.
فلا شك أن لكل فرقة أكابرا وأسلافا، فكان ذلك يسوغ لليهود والنصارى تقليد أسلافهم؛ لأن إعتقادهم في أسلافهم كاعتقادنا في أسلافنا، بل أعظم، وقد بين الله -تعالى- ذلك ونعاه عليهم فقال: {لا شريك له} [الأنعام:163]، في التعظيم، وما به فرقة إلا ولها من تعظمه وتزكيه، وتفزع إليه، كما قدمنا، فلا وجه من وجوه الصلاح، ولا طريق من طرق السلامة أسعد مقدما، وأحمد عاقبة، من اتباع الدليل؛ سيما وقد ذم الله - تعالى - المقلدين، وعنفهم بالتقليد في كتابه المبين، فقال، وهو أصدق القائلين: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون(170)}[البقرة].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله، وعن التدبر لكتاب الله، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزل، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلدهم فيه ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال)) ([52])، فهذه وجوه كثيرة بعضها كاف في الإحتجاج على قبح التقليد؛ فكيف بمجموعها؟!، مع أنا تركنا وجوها أخر مما يدل على قبحه ميلا إلى الإختصار، وتماما بما وعدنا في أول الكتاب من الميل إلى الإيجاز والتخفيف، فبطل التقليد ووجب إتباع الدليل، ونسأل الله -تعالى- بلوغ الغاية القصوى من رضوانه، والمصير إلى رفيع جنانه.
مخ ۸۸