[ذكر قولي المطرفية في الرزق والرد عليهم]
فأما المطرفية: وهم فرقتان - أعني أهل نفي الرزق، على ما قدمنا ذكره، لأنا وجدنا منهم من لا ينفيه عن الله -تعالى- لا لفظا ولا معنى.
ففرقة منهم: تزعم أن ما وصل إلى الكافة من أهل الطاعة والمعصية فإنما يحصل بغير قصد من الحكيم -سبحانه- وإنما يحصل بالحركات وإحالات العالم، قالوا: وهذا أبلغ في الإنعام؛ لأن الله -تعالى- جعل العالم ينقاد لمن قاده، ويستحيل إلى المنفعة على حسب إحسان العباد في أنواع التصرف، وهذا كما ترى شبيه بما حكينا عن الفلاسفة؛ فإذن الكلام على هذا القول قد تقدم.
ومما يؤيد ما تقدم: أنا نقول لهم: ما دليلكم على أن الله -سبحانه- جواد؟ وقد علمنا نحن وأنتم أن من نفى عنه -تعالى- صفة الجود كفر بالإجماع ولا تثبت هذه الصفة التي يجب إثباتها له إلا بدليل فلا يجدون دليلا؛ إلا أنه أوصل النفع الحسن إلى عباده إبتداء، وهو يريد الإحسان إلى من وصل إليه، لولا ذلك لما وجب شكره تعالى على الكافة من خلقه الكافرين والمؤمنين، لأنا قد قدمنا البرهان على أن من أوصل إلى غيره نعمة خالصة ولم يقصد الإحسان إليه، لا يعد جودا عليه ولا محسنا إليه، وذلك ظاهر عند جميع العقلاء؛ لا ينكره إلا من أعمى التعصب عين بصيرته.
وأما الفرقة الثانية من المطرفية: فيزعمون أن الله -تعالى- لا يرزق العصاة من عبيده، ودليلهم قالوا على ذلك: إنه تعالى، لحكمته لا يعينهم على المعصية، وهذه غفلة عظيمة لأنا نعلم جميعا أن خلقهم وإحيائهم أبلغ من أرزاقهم في باب التمكين من المعصية، فلو ساغ نفي رزقهم عن الله -تعالى- لهذا الدليل؛ لساغ نفي خلقهم عن الله -تعالى- ومعلوم أن ذلك خروج من الدين وانسلاخ عن الملة.
مخ ۶۸