واعلم أن الناس اختلفوا في ابتداء خلق البشر كيف كان ، فذهب أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى إلى أن مبدأ البشر هو آدم ، الأب الأول عليه السلام . وأكثر ما في القرآن العزيز من قصة آدم مطابق لما في التوراة . وذهب طوائف من الناس إلى غير ذلك : أما الفلاسفة ، فإنهم زعموا أنه لا أول لنوع البشر ولا لغيرهم من الأنواع .
وأما الهند ، فمن كان منهم على رأي الفلاسفة فقوله ما ذكرناه . ومن لم يكن منهم على رأي الفلاسفة ويقول بحدوث الأجسام لا يثبت آدم ، ويقول : إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلق فيها طباعا محركة لها بذاتها ، فلما تحركت - وحشوها أجسام لاستحالة الخلاء - كانت تلك الأجسام على طبيعة واحدة ، فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية ، فكان القريب من الفلك المتحرك أسخن وألطف ، والبعيد أبرد وأكثف . ثم اختلطت العناصر ، وتكونت منها المركبات ، ومنها تكون نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم ، والبق في البطائح والمواضع العفنة ، ثم تكون بعض البشر من بعض التوالد ، وصار ذلك قانونا مستمرا ، ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد . ومن الممكن أن يكون بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقا بالتولد ، وإنما انقطع التولد ، لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون طريقا استغنت به عن طريق ثان .
وأما المجوس فلا يعرفون آدم ، ولا نوحا ، ولا ساما ، ولا حاما ، ولا يافث ، وأول متكون عندهم من البشر البشري المسمى كيومرث ، ولفبه كوشاه : أي ملك الجبل ، لأن كو هو الجبل بالفهلوية ، وكان هذا البشر في الجبال . ومنهم من يسميه كلشاه أي ملك الطين ، وكل : اسم الطين ، لأنه لم يكن حينئذ بشر ليملكهم .
وقيل : تفسير كيومرث : حي ناطق ميت . قالوا : وكان قد رزق من الحسن ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وبهت وأغمي عليه ، ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن يزدان - وهو الصانع الأول - عندهم - أفكر في أمر أهرمن ، - وهو الشيطان عندهم - فكرة أوجبت أن عرق جبينه ، فمسح العرق ورمى به ، فصار منه كيومرث . ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهرمن من فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه ، أو من توحشه ، وبينهم خلاف في قدم أهرمن ، وحدوثه لا يليق شرحه بهذا الموضع .
ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في الوجود ، فقال الأكثرون : ثلاثون سنة . وقال الأقلون : أربعون سنة ، وقال قوم منهم : إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة ، وهي : ألف الحمل ، وألف الثور ، وألف الجوزاء . ثم أهبط إلى الأرض فكان بها آمنا مطمئنا ثلاثة آلاف سنة أخرى ، وهي : ألف السرطان ، وألف الأسد ، وألف السنبلة .
ثم مكث بعد ذلك ثلاثين أو أربعين سنة في حرب وخصام بينه وبين أهرمن حتى هلك .
مخ ۶۹