شرح نهج البلاغه
شرح نهج البلاغة
ایډیټر
محمد عبد الكريم النمري
خپرندوی
دار الكتب العلمية
شمېره چاپونه
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
وأما مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين ، فإنه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة ؛ والأغلب أن تقابل الجملة الماضية بالماضية ، والمستقبلة بالمستقبلة .
وقد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة ؛ فمن ذلك قوله تعالى : ' قل إن ضللت على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ' ، فإن هذا تقابل من جهة المعنى ، لأنه لو كان من جهة اللفظ لقال : وإن اهتديت فإنما أهتدي لها .
ووجه التقابل المعنوي ، هو أن كل ما على النفس فهو بها ، أعني كل ما هو عليها وبال وضرر فهو منها وبسببها ، لأنها الأمارة بالسوء ، وكل ما لها ينفعها فهو بهداية ربها وتوفيقه لها .
ومن ذلك قوله تعالى : ' ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ' ، فإنه لم يراع التقابل اللفظي ، ولو راعاه لقال : والنهار ليبصروا فيه ، وإنما المراعاة لجانب المعنى ، لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات ، وأما مقابلة المخالف ؛ فهو على وجهين : أحدهما : ان يكون بين المقابل والمقابل نوع مناسبة وتقابل ، كقول القائل :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة . . . ومن إساءة أهل السوء إحسانا
فقابل الظلم بالنمغفرة ، وهي مخالفة له ، ليست مثله ولا ضده ، وإنما الظلم ضد العدل ؛ إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها وبين الظلم ، ونحو هذا قوله تعالى : ' أشداء على الكفار رحماء بينهم ' ، فإن الرحمة ليست ضدا للشدة ، وإنما ضد الشدة اللين ، إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين حسنت المقابلة بينها وبين الشدة .
وكذلك قوله تعالى : ' إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا ' . فإن المصيبة أخص من السيئة ، فالتقابل ههنا من جهة العموم والخصوص .
الوجه الثاني : ما كان بين المقابل والمقابل بعد ؛ وذلك مما لا يحسن استعماله ، كقول امرأة من العرب لابنها ، وقد تزوج بامرأة غير محمودة :
تربص بها الأيام عل صروفها . . . سترمي بها في جاحم متسعر
فكم من كريم من قد مناه إلهه . . . بمذمومة الأخلاق واسعة الحر
فمذمومة ليست في مقابلة واسعة ، ولو كانت قالت : بضيقة الأخلاق ، كانت المقابلة صحيحة ، والشعر مستقيما . وكذلك قول المتنبي :
لمن نطلب الدنيا إذا لم ترد بها . . . سرور محب أو مساءة مجرم !
فالمقابلة الصحيحة بين المحب والمبغض ؛ لا بين المحب والمجرم .
مخ ۶۶