شرح نهج البلاغه
شرح نهج البلاغة
ایډیټر
محمد عبد الكريم النمري
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وإعلانا ، قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم ، حتى شنت عليكم الغارات ، وملكت عليكم الأوطان . فهذا أخو غامد ، قد وردت خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها وقلبها ، وقلائدها ورعثها ، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام . ثم انصرفوا وافرين ، ما نال رجلا منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ؛ فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا ! فيا عجبا ؛ عجبا والله يميت القلب ، ويجلب الهم ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ! فقبحا لكم وترحا ، حين صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم : هذه حمارة القيظ ، أمهلنا يسبخ عنا الحر ، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد ؛ كل هذا فرارا من الحر والقر ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون ، فأنتم والله من السيف أفر ! يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ؛ لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما وأعقبت سدما . قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ؛ وهأنذا قد ذرفت على الستين ! ولكن لا رأي لمن لا يطاع ! الشرح : هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ، قد ذكرها كثير من الناس ، ورواها أبو العباس المبرد في أول الكامل ، وأسقط من هذه الراوية ألفاظا وزاد فيها ألفاظا ، وقال في أولها : إنه انتهى إلى علي عليه السلام أن خيلا وردت الأنبار لمعاوية ، فقتلوا عاملا له يقال له : حسان بن حسان ، فخرج مغضبا يجر رداءه ، حتى أتى النخيلة ، واتبعه الناس ، فرقي رباوة من الأرض ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : أما بعد فغن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه الله الذل وسيما الخسف .
وقال في شرح ذلك : قوله : وسيما الخسف ، هكذا حدثونا به ، وأظنه سيم الخسف ، من قوله تعالى : ' يسومونكم سوء العذاب ' . وقال : فإن نصرنا ما سمعناه ، فسيما الخسف ، تأويله علامة الخسف ، قال الله تعالى : ' سيماهم في وجوههم ' ، وقال : ' يعرف المجرمون بسيماهم ' ، وسيما مقصور ؛ وفي معناه سيمياء ممدود ، قال الشاعر :
غلام رماه الله بالحسن يافعا . . . له سيمياء لا تشق على البصر
ونحن نقول : إن السماع الذي حكاه أبو العباس غير مرضي ، والصحيح ما تضمنه نهج البلاغة ، وهو سيم الخسف فعل ما لم يسم فاعله ، والخسف منصوب ؛ لأنه مفعول ، وتأويله : أولي الخسف وكلف إياه ، والخسف : الذل والمشقة .
وأيضا فإن في نهج البلاغة لا يمكن أن يكون إلا كما اخترناه ؛ لأنه بين أفعال متعددة بنيت للمفعول به ، وهي ديث وضرب وأديل ومنع ، ولا يمكن أن يكون ما بين هذه الأفعال معطوفا عليها إلا مثلها ، ولا يجوز أن يكون اسما .
وأما قوله عليه السلام : وهو لباس التقوى ، فهو لفظة مأخوذة من الكتاب العزيز ، قال الله سبحانه : ' قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ' .
والجنة : ما يجتن به ، أي يستتر ، كالدرع والحجفة .
وتركه رغبة عنه ، أي زهدا فيه ، ورغبت عن كذا ، ضد رغبت في كذا .
وديث بالصغار ، أي ذلل ، بعير مديث أي مذلل ؛ ومنه الديوث : الذي لا غيرة له ، كأنه قد ذلل حتى صار كذلك ، والصغار : الذل والضيم .
والقماء ؛ بالمد : مصدر قمؤ الرجل قماء وقماءة ، أي صار قميئا ، وهو الصغير الذليل ، فأما قمأ ، بفتح الميم فمعناه سمن ، ومصدره القمؤ والقموءة ، وروى الراوندي : وديث بالصغار والقما ، بالقصر ، وهو غير معروف .
مخ ۴۶