204

شرح نهج البلاغه

شرح نهج البلاغة

ایډیټر

محمد عبد الكريم النمري

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۱۸ ه.ق

د خپرونکي ځای

بيروت

ونحن من بعد نذكر ما قاله المرتضى رحمه الله تعالى في كتاب الشافي لما تكلم في هذا الموضع ، قال : أما ما ادعى من العلم الضروري برضا عمر ببيعة أبي بكر وإمامته ، فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنه كان راضيا بإمامته ، وليس كل من رضي شيئا كان متدينا به ، معتقدا لصوابه ؛ فإن كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضر منها ، وإن كانوا لا يرونها صوابا ، ولو ملكوه الاختيار لاختار غيرها ، وقد علمنا أن معاوية كان راضيا ببيعة يزيد وولاية العهد له من بعده ، ولم يكن متدينا بذلك ومعتقدا صحته ، وإنما رضي عمر ببيعة أبي بكر ، من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولو ملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه أسر في نفسه ، وأقر لعينه . وإن ادعى أن المعلوم ضرورة تدين عمر بإمامة أبي بكر ، وأنه أولى بالإمامة منه ، فهذا مدفوع أشد دفع ، مع أنه قد كان يبدر من عمر في وقت بعد آخر ما يدل على ما أوردناه . روى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني عن سعيد بن جبير ، قال : ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر ، فقال رجل : كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها ، فقال ابن عمر : وما يدرك ؟ قال الرجل : أو ليس قد ائتلفا ! قال ابن عمر : بل اختلفا لو كنتم تعلمون ! أشهد أني كنت عند أبي يوما ، وقد أمرني أن أحبس الناس عنه ، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر : دويبة سوء ، ولهو خير من أبيه ، فأوحشني ذلك منه ، فقلت : يا أبت ، عبد الرحمن خير من أبيه ! فقال : ومن ليس بخير من أبيه لا أم لك ! ائذن لعبد الرحمن ، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه - وقد كان عمر حبسه في شعر قاله - فقال عمر : إن الحطيئة أودا فدعني أقومه بطول حبسه ، فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر ، فخرج عبد الرحمن ، فأقبل علي وقال : أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تميم علي وظلمه لي ! فقلت : - لا علم لي بما كان من ذلك ، قال : يا بني فما عسيت أن تعلم ؟ فقلت : والله لهو أحب الناس من ضياء أبصارهم ، قال : إن ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه ، قلت : يا أبت ، أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم ؟ قال : وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب الناس من ضياء أبصارهم ! إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل . قال ابن عمر : ثم تجاسر والله فجسر ، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس ، فقال : أيها الناس ؛ إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه . وروى الهيثم بن عدي ، عن مجالد بن سعيد ، قال : غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شيء بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله ، فأتيته وهو في مسجد حيه وفي المسجد قوم ينتظرونه ، فخرج فتعرفت إليه ، وقلت : أصلحك الله ! كان ابن مسعود يقول : ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ، قال : نعم ، كان ابن مسعود يقول ذلك ، وكان ابن عباس يقوله أيضا - وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ، ويصرفها عن غيرهم - فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد ، فجلس إلينا ، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر ، فضحك الشعبي وقال : لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر ، فقال الأزدي : والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل ، ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر ، فأقبل علي الشعبي وقال : هذا مما سألت عنه ، ثم أقبل على الرجل وقال : يا أخا الأزد ، فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها ! أترى عدوا يقول في عدو يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر ! فقال الرجل : سبحان الله ! أنت تقول ذلك يا أبا عمرو ! فقال الشعبي : أنا أقوله ، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد ، فلمه أو دع . فنهض الرجل مغضبا وهو يهمهم في الكلام بشيء لم أفهمه . قال مجالد : فقلت للشعبي : ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم ! قال : إذن والله لا أحفل به ، وشيء لم يحفل به عمر حين قام على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار أحفل به أنا ! أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم .

مخ ۱۸