أبا خراشة أما كنت ذا نفر
فإن قومي لم تأكلهم الضبع
بالفتح ، ونذكر الآن فنقول : قال لي إمام من أئمة اللغة في زماننا : هو الفخار ، بكسر الفاء قال : وهذا مما يغلط فيه الخاصة فيفتحونها ، وهو غير جائز ، لأنه مصدر فاخر ، وفاعل يجيء مصدره على فعال بالكسر لا غير ، نحو قاتلت قتالا ، ونازلت نزالا ، وخاصمت خصاما ، وكافحت كفاحا ، وصارعت صراعا ، وعندي أنه لا يبعد أن تكون الكلمة مفتوحة الفاء ، وتكون مصدر فخر لا مصدر فاخر ، فقد جاء مصدر الثلاثي ، إذا كان عينه أو لامه حرف حلق على فعال بالفتح ، نحو سمح سماحا ، وذهب ذهابا ، اللهم إلا أن ينقل ذلك عن شيخ أو كتاب موثوق به نقلا صريحا ، فتزول الشبهة ، والعصم : جمع عصمة ، وهو مايعتصم به ، والمنار : الأعلام ، واحدها منارة ، بفتح الميم ، والمثاقيل جمع مثقال ، وهو مقدار وزن الشيء ، تقول : مثقال حبة ، ومثقال قيراط ، ومثقال دينار وليس كما تظنه العامة أنه اسم للدينار خاصة ، فقوله : مثاقيل الفضل ، أي زنات الفضل ، وهذا من باب الاستعارة ، وقوله : تكون إزاء لفضلهم ، أي مقابلة له ، ومكافأة بالهمز ، من كافأته أي جازيته ، وكفاء ، بالهمز والمد ، أي نظيرا ، وخوي النجم ، أي سقط ، وطينة الكرم ، أصله زوسلالة المجد فرعه ، والوسيل : جمع وسيلة وهو ما يتقبرب به ، ولو قال : وسبيلا إلى جنائه لكان حسنا ، وإنما قصد الإغراب ن على أنا قد قرأناه كذلك في بعض النسخ ، وقوله : ومكافا ’ لعملهم إن أراد أن يجعله قرينه لفضلهم ، كان مستقبحا عند من يريد البديع ، لأن الأولى ساكنة الأوسط ، والأخرى متحركة الأوسط ، وأما من لا يقصد البديع كلاكلام القديم فليس بمستقبح . وإن لم يرد أن يجعلها قرينة بل جعلها من حشو السجعة الثانية ، وجعل القرينة وأصلهم فهو جائز ، إلا أن السجعة الثانية تطول جدا ، ولو قال عوض لعلمهم لفعلهم لكان حسنا . | قال الرضي رحمه الله : | فإني كنت في عنفوان السن ، وغصاصة الغصن ، ابتدأت تألببيف كتاب في خصائص الأئمة عليهم السلام ، يشتمل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب ، وجعلنه أمام الكلام وفلرغت من الخصائص التي تيخص أمير المؤمنين عليا ، صلوات الله عليه ، وعافت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الأيام ومماطلات الزمان ، وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا ، وفصلته فصولا ، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام ، من الكلام القصير ، في المواعظ والحكم والأمثال والآداب دون الخطب الطويلة ، والكتب المبسوطة ، فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره ، معجبين ببدائعه ، ومتعجبين من نواصعه ، وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، من خطب وكتب ، ومواعظ وأدب ، علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية والدينياوية ، ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا جموع الأطراف في كتاب ، إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشسرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها ، وعنه اخذت قوانينيها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وتقدم وتأخروا ، لأن كلامه عليه السلام الذي عليه مسحة من العلم الألهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي . | الشرح : عنفوان السن : أولها ، ومحاجزات الأيام : ممانعاتها ، ومماطلات الزمان : مدافعاته ، وفوله : معجبين ثم قال : ومتعجبين ومعجبين من قولك . أعجب فلان برأيه وبنفسه فهو معجب بهما ، والاسم العجب بالضم ، ولا يكون ذلك إلا في المستحسن ، ومتعجبين من قولك : تعجبت من كذا ، والاسم العجب ، وقد يكون في الشيء يستحسنم ويستقبح ويتهمول منه ويستغرب ، ومراده هنا التهول والاستغراب ، ومن ذلك قول أبي تمام :
أبدت أنني إذ رأتني مخلس القصب
وآل ما كان من عجب إلى عجب
يريدأنها كانت معجبة به أيام الشبيبة لحسنة ، فلما شاب القلب ذلك العجب نعجبا ، إما استقباحا له أو تهولا منه واستغرابا . وفي بعض الروايات : معجبين ببدائعه ، أي أنهم يعجبون غيرهم والنواصع : الخالصة ، ثواقب الكلم : مضيئاتها ، ومنه الشهاب الثاقب ، وحذا كل قائل : اقتفى واتبع وقوله : مسحة يقولون : على فلان مسحة من جمال ، مثل قولك : شيء ، وكأنه ها هنا يريد ضوءا وصقالا ، وقوله : عبقة أي رائحة ، ولو قال عوض العلم الإلهي ، الكتاب الإلهي لكان أحسن . | قال الرضي رحمه الله : | فأجابتهم إلى الابتداء بذلك ، عالما بما فيه من عظيم النفع ، ومنشور الذكر ، ومذخور الآخر ن واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين عليه السلام يفي هذه الفضيلة ، مضافة إلى المحاسن الدثرة ، والفضائل الجمة ، وأنه تفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين ، الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر ، والشاذ الشارد ، فأما كلامه عليه السلام فهو البحر الذي لا يساجل ، والجم الذي لا يحافل ، وأردت أن يسوع لي التمثل في الافتخار به صلوات الله عليه بقول الفرزدق : |
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
الشرح : المحاسن الدثرة ، الكثيرة ، مال دثر ، أي كثير ، والجمة مثله . ويؤثر عنهم ، أي يحكى وينقل ، قلته أثر ، أي حاكيا ، ولا بساحل ، أي لا يكاثر ، أصله من النزع بالسجل ، وهو الدلو الملئ ، قال :
مخ ۳۵