قال : وكنت مجمعا على الانصراف ، فجاءني أمر لم يكن في الحساب ، فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض الناس واحدا فواحدا ، فلما يبق إلا غلمانه وحجابه ، دعا بالطعام ، فلما أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر غلمانه ، ولم يبق عنده غيري قال لخادم : هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام ، وأمرتك أن تجعلهما في الشفط الفلاني : فأحضرهما ، فقال : هذا كتاب الرضي ، اتصل بي أنه قد ولد له ولد ، فأنفذت إليه ألف دينار ، وقلت له : هذه للقابلة ، فقد جرت العادة أن يحمل الأصدقاء إلى أخلائهم وذوي مودتهم مثل هذا في مثل هذه الحال ، فردها وكتب إلى هذا الكتاب فأقرأه . قال : فقرأته ، وهو اعتذار عن الرد ، وفي جملته : إننا أهل بيت لا نطلع على أحواتلنا قابلة عربة ، وإنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا ، ولسن ممن يأخذن أجرة ، ولا يقبلن صلة ، قال : فهذا هذا . وأما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا وقسطنا على الأملاك ببادور يا تقسيطا تصرفه | حفر فوهة النهر المعروف بنهر عيسى ، فأصاب ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعرفة بالدهرية من التقسيط عشرين درهما ، ثمنها دينار واحد ، قد كتب إلى منذ أيام في هذا المعنى هذا الكتاب ، فأقرأه فقرأته ، وه أكثر من مائة سطر ، يتضمن من الخضوع والخشوع والاستماله والهز والطلب والسؤال في إسقاط هذه الدراهم المذكورة عن أملاكه المشار إليها ما يطول شرحه . | قال فخر الملك : فأيهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل ؟ هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النفس ، أم ذلك الذي لم يشهر إلا بالشعر خاصة ، ونفسه تلك النفس فقلت : وفق الله تعالى سيدنا الوزير ، فما زال موفقا ، والله ما وضع سيدنا الوزير الأمر إلا في موضعه ، ولا أحله إلى في محله ، وقمت فانصرفت . | وتوفي الرضي رحمه الله في المحرم من سنة أربع وأربعامائة ، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ، ودفن في داره بنسجد الأنباريين بالكرخ ، ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر عليهما السلام ، لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ، ومضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الشريف الكاظمي ، فألزمه بالعود إلى داره . | ومما رثاه أخوه المرتضى الأبيات المشهورة التي من جملتها : |
يا للرجال لفجعة جذمت يدي
ووددت لو ذهبت علي براسي
ما زلت آتي وردها حتى أتت
فحسونها في بعض ما أنا حاسي
ومطلتها زمنا فلما صممت
لم يثنها مطلي وطول مكاسي
لله عمرك من قصير طاهر
ولرب عمر طال بالأدناس
وحدثني فخار بن معدج العلوي الموسوي رحمه الله ، قال : رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن العثمان الفقيه الإمام في منامه كأن فاطمة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها : الحسن والحسين عليهما السلام ، صغيرين ، فسلمتهما إليه ، وقالت علمهما الفقه ، فانتبه متعجبا من ذلك ، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التى رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها ، وبين يديها ابناها : محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلم عليها ، فقالت له : أيها الشيخ ، هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه ، فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام ، وتولى تعليمهما الفقه ، وأنعم الله عليهما ، وفتح لهما من أوباب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر .
مخ ۳۲